لم أكن أتصور أن تكون مضايقتك ومراقبتك ليلا نهارا حقا مكتسبا لشرطة بن علي حتى شاهدت ذلك بأم عيني طوال نهاية الأسبوع الماضي. لا زلت أتساءل من أين يستمد أشخاص مثل المحامي عبد الوهاب معطر والصحفي عبد الله الزواري وغيرهم كل هذا الجلد والصبر الذي يجعلهم لا ينفعلون كل دقيقة وهم محاطون برجال "الأمن" من كل حدب وصوب... في البيت والشارع وبين الأهل والأحباب ... عند العطار والخضار والجزار... في مكان العمل وعلى شاطئ البحر...ما يقع يوميا لعبد الله الزواري على سبيل المثال مهزلة بكل المقاييس والأوصاف، سيارة أو اثنان ترابطان أمام بيته بطريقة مفضوحة يلازمهما عدد من الأعوان لا يقل عن الثلاثة في كل الأحوال، دراجات نارية، هواتف نقالة مفتوحة طوال الوقت تنقل المشهد على الهواء... الجيران مطالبون بالمكوث في بيوتهم حتى لا يضايقوا أعوان الأمن وهم يقومون "بالواجب"... حاسي الجربي منطقة محافظة والنساء لم يعد بإمكانهن الخروج من بيوتهن لخدمة الأرض أو لإعداد الخبز ورجال "الأمن" تسترق النظرات من كل جانب... الأطفال وقع ترويعهم وإجبارهم على ملازمة البيوت درءا لكل تشويش أو إخلال بالنظام العام لنظام بن علي... المكان أشبه بمنطقة عسكرية أكثر منه حي سكني.الانفلات الأمني يبلغ مداه عندما يقوم أعوان المرور بالتواطؤ مع زملائهم في الفرق الأخرى وما أكثرها، ويجبرونا على مدهم بكل وثائقنا وكأننا جمع من الإرهابيين أو عصابة من المهربين والمتاجرين بالممنوعات... عندما يقوم رجل قانون مثل الأستاذ عبد الوهاب معطر بتذكيرهم بأن عملهم هو تسهيل حركة المرور وليس تعطيلها يتعنتون أكثر ويهددوننا بأنه سيقع الزج بنا جميعا في السجون ! تمر بضع دقائق والمكان يتحول لاستعراض بوليسي بأتم معنى الكلمة : رئيس المنطقة، رئيس مركز الشرطة، أعوان من الإرشاد، من الاستعلامات، من أمن الدولة... بالإضافة لزملائهم في شرطة المرور كلهم في حالة استنفار قصوى للتعدي على القانون التونسي المسكين...ربما لا يعرف هؤلاء أن الأستاذ عبد الوهاب معطر يمارس حقه ولا يستجديه ولا يخاف في الحق لوم لائم وبمجرد أن يطلب منا هذا الأخير أن ننصرف جماعيا ونتركهم يفعلون ما يحلوا لهم ويلفقوا ما يرضيهم من تهم وقضايا مختلفة، يرغي رئيس المنطقة ويزبد ويطالب بتكبيل المحامي، المتشبث بالقانون الذي يدرسه بالجامعة وبممارسة حقوقه المكفولة دستوريا، وهو يصيح بكل ما أوتي من جبروت وغطرسة : "أنا القانون وأنتم لا شيء" (انظر الصورة).الدكتور نضال ابن السيد عبد الوهاب معطر كان له رأي آخر حيث يقوم بتصوير مشهد اعتداء أعوان الأمن على والده وهو ما يثير حفيظة جميع أعوان البوليس الذين يتكالبون على الطبيب المسكين في محاولة يائسة لإفتكاك آلة التصوير من أيديه... ميزان القوة كان لصالح المعتدين ولكن نضال، وهو اسم على مسمى، يرفض الإذعان لمشيئتهم بكل ما أوتي من قدرة على التحمل كلفه الأمر ما كلفه من خدوش وكدمات وتمزيق لملابسه...رئيس المنطقة وهو يشاهد أعوانه عاجزين عن التعدي على حقوق مواطن أعزل أمام أعين العشرات من المتعاطفين من أهالي جرجيس، يخيّر وضع حد للتلاسن وللفوضى ويتركنا مكرها ننصرف لحال سبيلنا، لمدة قصيرة بالطبع، حيث تعاد حجز رخصة سياقة نضال معطر مرة أخرى من طرف دورية مرور أخرى مجهزة بالرادار بدعوى تجاوز السرعة المسموح بها... ربما يكون نضال تجاوز السرعة حينها ولكنه كان ملاحقا بسيارتي شرطة لم تكفا عن استفزازه ومضايقته طوال المشوار !!!في وقت متأخر من نفس الليلة نترك جرجيس لعبد الله الزواري وهو في حالة من القلق الشديد ويهدد بشن إضراب جوع مفتوح ابتداء من ثاني أيام عيد الأضحى ما لم تستجب السلطات لمطالبه المتعددة لإخلاء سبيله وتركه ينتقل للعاصمة حيث يعيش باقي أفراد أسرته... للموضوع بقية.
زهير اليحياوي 11-01-2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق