16‏/10‏/2008

تونس - صفاقس - جرجيس (الجزء الثاني)

بعد كل المجهود والعناء الذي تبذله لساعات طويلة أمام حاسوب لا يشكو من خلل أو عطل وأنت مرهق من أتعاب السفر وحكايات معاناة أهالي المنطقة من صلف النظام البوليسي وجوره تخرج بانطباع شديد المرارة : جرجيس محرومة من الانترنت ومن جل سبل العيش الكريم. كلامي لم يقنع لا الأستاذ عبد الوهاب معطر ولا الصحفي عبد الله الزواري وتركتهما لوحدهما يحاولان النفاذ للشبكة العنكبوتية وخلدت سريعا لنوم عميق.لم تفل سنوات السجن والحرمان الطويلة من إرادة عبد الله الزواري في شيء وهاهو يحدثك عن الإعلامية وخفايا الحاسوب وكأنه لم يغب عن ساحة المعرفة ليوم واحد، كل شيء على ما يرام داخل حاسوبه الشخصي : حائط ناري ومضاد للفيروسات وبرمجيات من أحدث طراز... رغبة كبيرة في التمكن من هذه التقنيات المستحدثة وسرعة في التلقي يشهد له بها كل من جالسه ولكن لا وجود لأثر ما يسمى بالانترنت.استيقظ بعد سويعات معدودة وقبل وصولي لبيت الراحة، الموجودة خارج البيت لانعدام قنوات الصرف الصحي بالمنطقة، ألمح أعوان شرطة عبد الله الزواري متسمرين في أماكنهم وكأنهم بغير حاجة لراحة أو نوم... أتأكد من عدم وجود كاميرات و ميكروفونات بالمرحاض ثم أقضي حاجتي وأعود حيث جماعة الانترنت.بمجرد قيامي بشيء من الضجيج تكون الجماعة قد استيقظت بعد أقل من ساعتين من النعاس، الأمر لا يدهشني فكلاهما سجين سابق تكفي خطوات نملة لإيقاظه من سباته وحرمانه من حلاوة النوم، مباشرة بعد صباح الخير أسأل عبد الله إن كان قد نجح في النفاذ للانترنت فيجيبني ببشاشته المعهودة : "لقد جربت أربعة اشتراكات لأربعة مزودي خدمات مختلفين ولم أنجح إلا مرة واحدة في البقاء مرتبطا بالشبكة العالمية لثوان معدودة".

شعرت بنوع من الغبطة لأن تشخيصي الأولي كان في محله وبنوع من المرارة القاسية وأنا الآن متأكد من أن رداءة خدمة الانترنت بالمنطقة مرتبطة أساسا باستعمال أشخاص مثل عبد الله الزواري وشباب جرجيس وغيرهم من المناضلين لها، فالانترنت الذي أريد لها أن تكون نعمة صارت نقمة على كل أهالي الولاية... للمرة الألف تجول عبارة العقوبة الجماعية بمخيلتي.عبد الوهاب معطر لا يزال غير مقتنع بالحقيقة المرّة ويصر أنه بإمكاننا إعادة الكرة مرات أخرى حتى يحالفنا النجاح ولكني اقترح على الجمع أن نغادر حاسي الجربي نحو جرجيس لنتأكد من رداءة الخدمة باستعمال خطوط هاتف أخرى. نجمع زادنا من التجهيزات الالكترونية... وأعوان الشرطة أيضا ونتجه صوب المنطقة الحضرية حيث يُجمع كل محدثينا أن استعمال الانترنت أمر شبه مستحيل في هذا البر باستثناء المراكز العمومية للانترنت والتي تخضع لمراقبة دائمة من طرف البوليس، بل أن أحدهم ممن حاول النفاذ البارحة للشبكة من بيته أصر أن الأمر كان أشبه بالمستحيل.إصرار الأستاذ عبد الوهاب على التأكد بصفة نهائية من وقوع جرجيس تحت طائلة العقوبة الجماعية دفعنا حتى للحديث مع رواد مراكز الإنترنت العمومية وأصحابها وجعلنا نستخلص أن النظام الدكتاتوري لا يمكن أن يقبل أن يحدث شيء في جرجيس دون أن يكون على علم مسبق به ولو كانت رسالة الكترونية لصديق بمناسبة العام الجديد وحتى أصحاب "البوبلينات" نفذ صبرهم من هرسلة الشرطة لحرفائهم واعتداءاتها اليومية على حرمة مراسلاتهم الشخصية دون أدنى ضوابط قانونية أو حتى أخلاقية.عبد الله الزواري يتألم في صمت مدوي ويهدد مرة أخرى بأنه سيقوم بإضراب مفتوح عن الطعام مباشرة بعد العيد وجميعنا أصبح عاجزا عن ثنيه عما يزعم القيام به بعد أن قاسمه بعض معاناته القاسية جدا لفترة وجيزة ... في الجزء القادم ننشر وثائق عديدة لعبد الله الزواري ومراسلات تخصه لجميع المسؤولين عن عذاباته عساهم ينتبهوا لخطورة تعدياتهم الخطيرة على شخصه وعلى عائلته بأكملها...
زهير اليحياوي 12-01-2005

ليست هناك تعليقات: