الهراء واللغو في المدة الأخيرة عن ما يسمى بالمصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي التعيس في تونس ولعل الشيء الملفت للنظر أن الشخوص التي تقود قاطرة التنازل والإذلال والركوع للدكتاتورية لا تمثل أي شيء لا على الساحة السياسية ولا حتى على الساحة الإعلامية أو الثقافية في تونس ولكن الأنكى من ذلك أن هذه الفئة الضالة لم تحصل لا على تفويض من الضحايا للحديث باسمهم ولا حتى على دعم مادي أو أدبي من الدكتاتورية نفسها لخدمة مصالحها وهي التي تكاد تكون المستفيدة الوحيدة من هذا النقاش البيزنطي العديم الذي امتد زبده على قنوات تلفزيونية وجرائد مأجورة حتى بلغت الجرأة ببعض هؤلاء المرتزقة حد نشر أفكارهم الهدامة على صفحات افتراضية من المفروض أن تكون منابر حرة وحكرا على من حرم من حقه في التعبير في ظل النظام القمعي الحالي. لقد كان أجدى بهذا الرهط من المتخاذلين وسقط المتاع أن يحدثونا عن عذابات أهاليهم في تونس التي أخذت نسقا تصاعديا مذ بدؤوا الترويج لإفلات بن علي وصحبه من العقاب والمحاسبة بعد أن فعلوا ما فعلوا بنا عوض أن يرموا لنا باستنتاجات أفرغ من فؤاد أم موسى مثل القول بأن فرعونهم الحالي "بيده الحل والربط ويمسك بخيوط اللعبة والعصا أيضا" وبأن "المراهنة على المعارضة التونسية رهان على جواد خاسر"...إبداعات النظام الفاشي لزين العابدين بن علي في القمع والتنكيل بالضحايا بماضيها وحاضرها والتي يتغافل عنها هؤلاء المرتزقة لا تحصى ولا تعد هذه الأيام خاصة وأن أعلى هرم السلطة عندنا يحسب أنه يتمتع حقا بالحصانة القضائية الأبدية التي أرستها سطوته المفضوحة على دستور البلاد منذ سنتين ونيف، وإن كانت الشجاعة تعوز الدكتاتور في العلن كما في السر لمجابهة خصومه الذين يجاهروه دون مواربة أنهم راغبون في مثوله وسط قفص الاتهام أمام قضاء مستقل ومحايد فهو يرمي لعامة التونسيين بحثالة النخبة المتعلمة عندنا ورديئها كي تشغل المعارضين والحقوقيين وسائر المتتبعين عن هدفهم الأسمى وهو رحيل المدعو زين العابدين بن علي وأذيال نظامه القمعي عن حاضرنا ومستقبلنا.الأغرب والأدهى من كل ذلك أن تذهب بعض الأقلام النزيهة والمحايدة إلى تبرئة "دعاة المصالحة دون عقاب وتتبع" من تهم العمالة المجانية والنفاق السياسي بل أن البعض شد أزرهم ودعمهم في مسعاهم الخائب بدعوى أن ما قاموا به ينم عن نقاء سريرتهم وخلو قلوبهم من الأضغان والحقائد وهو ما يطرح تساؤلات أشد مرارة لو صدقنا هذا المنحى فمنذ متى كان للحمقى والمغفلين رؤى يُعتد بها أو مواقف تُحسب لهم؟ هل أن التعاطي مع الشأن العام يخضع لميول أهواء مهرّجي السلاطين أم لضوابط قانونية ونواميس متعارف عليها؟ هل يتساوى الجلاد والضحية أمام الحساب والعقاب؟
«متى نلقاكم وقد خاب مسعاكم؟»
لأي مصالحة يروج هؤلاء المرتزقة بعد أن مات الطالب لطفي العيدودي البارحة وهو من لفظته لفظ النواة سجون وطنه ورفضت حتى التكفل بنفقات علاجه؟ كيف تغشى بصيرة البعض لحد يجعلهم لا ينتبهون للتنكيل والتجويع الذي يمارسه نظام بن علي ضد شباب جرجيس وقد وزع زيارات أهاليهم على أيام الأسبوع المختلفة وعلى سجون متباعدة حتى يكسر اللحمة والمودة والتكافل التي خلقتها ظروف القهر والظلم بينهم؟ هل يدري هؤلاء المتجاسرين على حقوق الضحايا العزل الأموات منهم والأحياء أن عبد الله الزواري يستند لعصا طبية هذه الأيام ليمشي بعد أن كادت ملاحقة سيارات الشرطة له تدك جميع عظامه وهو يمتطي دراجة نارية؟ هل يجرؤ واحد من هؤلاء السماسرة أن يُقنع الدكتور نضال معطر بالمصالحة وقد حرمته شرطة بن علي من عمله واعتدت عليه وعلى والده الأستاذ عبد الوهاب بالطريق العام على مرأى ومسمع من عشرات الخلق؟في الختام هنيئا لدعاة المصالحة الخائبين بجلادهم الأبدي زين العابدين بن علي راعي مُصالحتهم ومصالحهم.
زهير اليحياوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق