14‏/09‏/2008

الحماريات : في ذكرى التحيـل و فجر التغور

عندما يولد احدهم اضحوكة فانه يبقى كذلك و " يمشي هكاكه" و " يتبيلك هكاكه" الى النهاية. و لن ينفعه شيء في الخروج من ورطته...منذ ايام تذكرت جدتي. فجأة تذكرتها، رأيتها اخر مرة طبعا في تونس، في بيتها ممددة على " بنكها" متغطية بـ" بطنيتها" تحدق في تلفزتها. في تلك الايام كانت تلفزة جدتي تعرض ما تعرض من برامج موغـلة في القبح و البلادة. لا اذكر اما ان تكون ذكرى "التحيل" قريبة او ان تكون قد مرت منذ فترة وجيزة (شهر او شهران). احد المتمعشين وجد في "الخلاء الخالي" ما سماه بـ"برامج تنمية". تنمية " متاع فرد المرة"! تنمية " للصباح"! بدأت افكر في مغادرة بيت جدتي و في مغادرة البلاد مرة اخرى... قد تكون اخيرة... برنامج تنمية " يـبـصص"! كل ما في الامر بعض احواض المعدنوس. المتمعش و فريق التصوير (في مجتمع محترم المفروض ان يكونوا كلهم " بطالة") تحملوا مشقة التنقل و اهدروا اموالا طائلة (اموال التونسي و التونسية) حتى يصوروا احواض معدنوس! عصارة الذكاء و الابداع! تصرفات "جرابع" قضت حياتها تحت تجارب مخبرية مريبة. ما حرك الروح النقدية في جدتي هي التعليقات التي صاحبت "المادة الاعلامية" التي كانت كلها من نوع و "بحرص من سيادته و بفضل سيادته و رؤية مستقبلية من سيادته و بـ" صباط" سيادته و بـ"قصرية" سيادته و بخزعبلات سيادته" و "هات ما كاللاوي"! استقامت جدتي نسبيا في جلستها و امعنت النظر في الشاشة. صدرت منها محاولة تهميش الكاراكوز بان سألتني عن احوالي و عن زوجتي الغائبة. طمأنتها كالعادة كما اطمئن الجميع، يعني كذبتها... الكذب على من تحب جائز اذا كان الهدف ان لا تزعجه او تسبب ارقه... فشلت محاولة جدتي في تهميش المهزلة. صبرت دقائق ثم نطقت. اليوم و انا اذكرها افهم انه اخر ما قالت لي، اذ لم اسمع منها مقالا اخر بعد ذلك." ياخي قلي، المعدنوس ما كانش قبل ينبت، لازم باذن سيادتو؟" -" كان ينبت ديما، اما هذا معدنوس اخر... متاع تنمية، معدنوس هـبال!""يراهم خُسرة، قعدوا كاراكوز بين الدول، هذه ما عادش تلفزة، هذه وَلات قزدرية زبلة."" ما تتفرجشي فيهم. عندهم عيد التحول."" تحول؟ يحول عينيهم! قعدوا عارة!/ سكتت جدتي قليلا تكون قد استغفرت في سرها و هي دائما تستغفر كلما شتمت بعضهم، ثم بررت تفرجها على " قزدرية الزبلة"/ يا ولد الدنيا، نستنى فالنشرة الجوية، غدوة فم شتا و الا لا.""حتى النشرة الجوية يكذبوا عليك فيها، الخمسة و اربيعين سخانة يعملوها اقل و الشتاء التي تهز الدنيا و ما فيها يسكتوا عليها." سكتت جدتي بعد ذلك و هي تتحاشى معي مثل هذه الاحاديث اذ انها تعرف عن مشاكلي منذ سنين طويلة و هي الشخص الوحيد الذي كان يحرضني دائما على الرحيل.بعد اشهر من هذا الحادث سالت عني جدتي فقالوا لها انني سافرت. مرت سنوات /" مشات ناس و جات ناس و كالتلفزة شادة الصحيح..."/ سالت عنها فقالوا لي انها ماتت. اقصد جدتي. كدت القي سؤالا غبيا على شقيقتي التي اخبرتني: بماذا ماتت؟ سؤال غبي لان جدتي تجاوزت التسعـيـن. ثم كدت القي عليها سؤالا غبيا ثانيا: هل تالمت؟ بعد التسعين لا يتالم المحتضر. كان لا بد ان اسأل شيا، قلت هل كانت وحدها ساعة القضاء؟ ردت شقيقتي بالنفي، و طمأنتني بانهم كانوا حولها في ساعتها الاخيرة.تعقيب: لو كنت مكان "سيادته" لـ" فـشخت" من قال ان المعدنوس ينبت بحرص مني و بفضلي، تصور لو قالوا انه "بحرص من سيادته تم اليوم في حدود العاشرة صباحا القضاء على ثلاثة " ذبانات" كانت تحوم حول" الكستيليات في حانوت عم فرج الززار" !ثم ان هذا الامر يفضح الافلاس السياسي و الاديولوجي و الاداري لعدد كبير من رؤساء العالم الذين / رغم جهودهم الجبارة/ عجزوا عن انبات المعدنوس في بلدانهم. يا لخيبتهم! فيما اعتدادهم بانفسهم و فيما ابهتهم الفارغة و العنجهية الاستعمارية التي تبقى في نهاية الامر فترينة تحجب اخفاقاتهم المريعة.اليوم تذكرت جدتي. كم سمعت المسكينة من سيول النفاق و التلحيس و هي ممددة فوق " بنكها ". اعرف انه اول ما ساقوم به يوم ارجع الى البلد / ان كان لا يزال في العمر بقية /هو ان ارفض في المستقبل دفع معلوم الاذاعة و التلفزة! لن امول بعد الان حملة دعائية لاحدهم! من يريد ان يتلذذ بصورته ليلا نهارا فليدفع من جيبه او يختلس من الخزينة. فليدفع من يريد ذلك. فليدفع المتطوعون. اما انا، فلا! ليقصد صندوق النقد الدولي، لن يرده خائبا. و التونسيون في حل من كل الديون/ و هذا ملف اخر على حدة/ التي يثقل بها "صانع التغور" كاهل الاجيال القادمة.
لا يمكن تسديد ديون تراكمت في غياب الحد الادنى (0،2 في المائة) من الشفافية. ثم ان "صانع التحـيـل" يملك عدة صناديق "للتضامن" فليدخل يده "حتى الظبوط" الى احداها و يغرف كما يغرف للامور الاخرى و "للمصاريف الاستثنائية" و يمول الكاراكوز المتواصل منذ جيلين. سارفض ان ادفع! و ان قطعوا عني الكهرباء ساقدم قضية بالشركة اذ انني ساواصل تسديد مصاريف الكهرباء، الكهرباء فقط! قد يكون لذاك وقع و اثر خصوصا اذا ما تجاوز عدد هذه القضايا الالف او الالفين و من التونسيين "المطروشين" و التونسيات " المطروشات" سيوجد اكثر من هذا العدد. هذا طبعا في مرحلة اولى ثم ستجيء المرحلة الثانية حيث ساطالبهم بتعويض عشرات السنين التي دفع خلالها التونسيون و التونسييات بحارا و جبالا من اموال لتمويل "مركاتينغ" متخلف لاشخاص مشبوهين. اشخاص مشبوهون حقا: اذا ما وقعت يوما و صافحت احدهم فلا باس في ان تعد اصابع يدك بعد ذلك، لن يكون عدد اصابعك بالضرورة خمسة بعد المصافحة، لذلك عدها، احتياط! و اذا ما طالب الف او الفان من التوانسة " المقربعين و المقربعات " مثلي فان المسالة يمكن ان تاتي بنتيجة ايجابية. اما عن التعويض المعنوي/ و المسالة تستحق التعويض المعنوي/ فانني سافكر في ذلك فيما بعد. مع انه يكفي ان اتذكر جدتي المسكينة مرة اخرى حتى اقرر المطالبة بكل التعويضات.عن التعويض المعنوي: اعرف مواطنا من اترابي، او هو يصغرني بسنة او بعضها، يدخن علبة سجائر في الاسبوع و انا ادخن علبة كل يوم و هو لا يسكر اكثر من مرة في الشهر و انا لا اسكرعادة اكثر منمرة في اليوم و مع ذلك يبدو المواطن المسكين و كانه يكبرني بعشرين سنة. السبب الوحيد هو ادمانه/بسبب شغله/ على التلفزة التونسية. المفروض ان يدفعوا له منحة الخطر مع " باكو" حليب يوميا. و لا يقوم كاراكوز الا حيث يقوم جيش "اللحاسين" العرمرم من الخدم الذين "بـيـل على قدرهم" الف مرة، فلذلك الجمهور حديث اخر. ملفهم اقبح من اعمالهم، وجودهم في ذاته عار بالمفهوم الاخلاقي الشامل، و لهم في "التحيل و التغور" مصيدة سـ " تتطرشق " ان عاجلا ام اجلا على احدهم اوعلى بعضهم. كل المسالة كما قالت جدتي :" غدوة فما شتا و الا لا!" فالقحط لا يدوم في النصوص القديمة اكثر من السبع العجاف تمطر بعدها السماء في السنة الثامنة
.م.البكوش21-12-2005 TuneZine