07‏/07‏/2008

الدكتورة حليمة



قصّة حقيقية ...كتبتها كما وردت لي
أطردت حليمة من جامعة الطب ّ بتونس ظلما و بهتانا ...فشلّت

و العاصفة الهوجاء، و التراب المعانق للسماء، لن أتخلى عنك يا حليمة يا عروس هذا الوطن. و إن لزم الأمر أن أعيد جميع ما صاغته اللّغة و كتبه القلم. طرقت الباب...كما قطرات المطر ...و اين المطر على وطن يكون فيه الضلم كالماء. ألقت بضهرها إلى الباب الخارجي و كاني بها في حالة حتضار، بل أكثر من ذلك بدت كما ورقة خريف، صفراء الوجه، غرقت عينها في الدموع و أزرّقّت أحداقها.

عندما حاولت أن أحتضنها و أخذها جنبا، لم أشعر بأي حرارة، كما أنها جثة فقدت من ساعات الحياة. طارت زينب بيني و بينها و كأن أصبها جن من جنون جهنم، و لم تعرف ما يحدث و لم تفهم شيئ، فالبارحة كانت قد إستودعت إبنتها للجامعة، تراها اليوم جثة بين يدها. و لم تنطق بحرف واحد، و لم تتكلم حليمة، بل رشقت عينها إلى السقف في حالة غيبوبة قصوى. أسدلتها على سريها و جلست أرضا. وجهي بين عينها...أريدها أن تتكلم ...قولي شيئا حبيبتي؟ تكلّمي ...لا تخافي ...ماذا حدث؟ و لم تسمعني ...و لم تحرك و لو جفنا واحدا. جلست زينب إليها و حاولت و حاولت و لا كلمة و لا حتى إبتسامة صغيرة...

خرجت من المنزل ...ذاهبا عند الطّبيب ...إنشد النّجدة ....أجري حافي القدمين و العاصفة الهوجاء في وجهي كما إبليس اللّذي سكن هذا الوطن فأخمد صوته و جعل منه قشّة في مهب الريح...أجري و الكلاب ورائي ...أجري ضد الرّياح و ضد العواصف ...و على بعد الخمسين مترا، رأيتني أصيح بأعلى صوتي ...النجدة يا دكتور ...النجدة يا دكتور ...إلي بالدكتور ...و خرج من بيته و لم يتعود أن يأتي عنده قاسم اللذي فقد من منذ قديم الزمان خيط صداقة، الذي كان يربطه به. ...إبشر با قاسم !!! ما بك يا قاسم ...إبنتي حليمة في غيبوبة ...لم تعد لتتكلّم ...لا أعرف ما السبب ...هيا بنا إلى البيت ...خذ معك كل شيئ ...سأحضر محفظتي ...دقيقة واحدة يا قاسم....ولم يشتعل محرّك السيارة ...و نزلت حتى أدفعها ...و دفعتها و لا شيئ سوى الخرير ...سقطت أرضا وراءها ...و ما صابني إلا و ان رجلا لم أعد لأتحسسها ...و أجري و الدكتور ...إلى البيت.

جلس إليها ...تفحص عينها ...جس نبضها ...و أتفحص عينه ...و أقرأ على حاجبيه ...إلى المستشفى ...يا قاسم ...لابد من دخول المستشفى حالا...إفعل شيئا يا دكتور...عن أي مستشفى أنت تتحدث ...أفعل...حرّك البنت ...حليمة لا تتحرك!!!!!!
أخذ الدكتور بيدي و خرج بي إلى فناء البيت، ثم قال، حليمة مريضة جدا و أضن انها مرّت بنوبة عصبية جعلت منها في حالة غيبوبة ...و لكن يا قاسم، قد تستيقظ حليمة بسرعة كبيرة لو أنت أخذتها للمستشفى، في قاعة العناية المركزة، حيث نستطيع أن نوفر لها كل الظروف المناسبة...حليمة بحاجة لمادة الأكسجين.

طلبت من زينب، إن تجهز حليمة لرحلة الموت...جهزيها لقاعة العناية المرّكزة و بسرعة يا زينب...لحضات يا قاسم ......لحضات يا قاسم. و لا شيئ عندي سوى الجرّار ...أعلى الجرّار يا دكتور ؟ و حتى على دبابة، لتجلس حليمة و أمها على المحراث ...ساعدني يا دكتور حتى نبسط شيئ على الحديد...و كان الجرّار جاهز لشق صحراء الوطن ...إلى قاعة العمليات المركزة.

و ترسبل الجرّار إلى المدينة، بعد منتصف اللّيل...يخوض المواجهة مع الموت ...و قد تفقد زينب صوابها أو تسقط من فوق المحراث ...ليسقط كل شيئ...و تسقط السماء و تنشق الأرض لتبتلع هذا الكون بأسره...عين على المقود و عين إلى زينب و قلب لم يعد ليخفق بل يضخ الدم في عروقي كما محطة بنزين ...إن إعترض طريقى أحد العسسة من عسسة فرعون، لن أرحم الكلب و أمر عليه بالجرّار...و كان العسسة قد عرفو إني لن أرحم أحدا منهم ، فجرّاري لا ضوء له و لا مزمار له و لا حتى ورقة فوقه. أجري ...بسرعة الجرّار و لو كان سيارة لطارت في الهواء...من شدة الغضب و من شدة العاصفة.

التسجيل ...مكتب التسجيل...و على المقاعد ...بل على الخشبة ...جلست زينب و حليمة بين يدها في إنتضاري و الدكتور كذلك ... حتى نقوم بتسجيلها للدخول لغرفة العناية المركزة....طال الحديث مع هذا الموضف و طلب ما لا يخطر على بال إحد.

طلب مني رهينة حتى يمضي على ورقة الدخول ...و لا شيئ فوقي و لا حتى وراقات الجرّار...لا شيئ عندي ...إلا عقد زينب ...أدرت لها وجهي اللذي أصبح أزرقا و قلت يا زينب ...إلي بعقدك ...يا زينب يريد رهينة مني ...مسكت بعقدها ...و جذبته إليها ..لتمزق صدري و صدرها ....خذ يا قاسم ...أعطه يا قاسم ...و مددت يدي إليها ...و عيني في عينها...عقدها و عقدي و عقد الحب اللّذي بيننا ...و عقد الشرف و عقد الأخلاص و الكرامة ...مشت ...إمتدت يدي إليها ...و كانت يد حليمة قد تحركت لتقبض على العقد في اللّحضة التي ألتقت يدي بيد زينب...مسكت العقد بكل ما أتت من جهد و جلست كما عجوز ....ألاهي....ألاهــــــي ...يا زينب حليمة تحركت ...حليمة لم تفقد ذاكرتها ....جلست إلى قدمي زينب و قبّلتهما ...أحتضنت حليمة و الدمع الغزير كان قد سقى الأرض بين حمامتيّ.
يقتلون بناتنا، يسجنون رجالنا، و يطلبون المال علينا. هذا قدر شعب لم يتجرأ، أن يخرج إلي الشوارع، هذا قدر كل فرد منكم، و هذا قدر كل من لم يتحمل مسؤوليته. اليوم عندي و غدا في بيوتكم. اليوم قفصة و حوضها و غدا أحدا منكم. اليوم نور الهدى، تجلس إلي أمها دون عيد! دون أن ترى أباها! و غدا نورا أخرى ....هل ستتكلّم الموتى ؟ أم نأتي برجال أخرى على أرض لم تعد لتحتمل الغورة و الدّسيسة.



تحية نضالية...لأيناثنا اللّواتي رفعن شعار التحدي في وجه الدكتاتورية

كيف تعارض ّّ؟



نحن من مواقعنا لا نعارض أحدا!!!لا أبدا، نحن بصدد التعبئة التامة على المستوى الوطني. المعارضة كمفهوم جاءت به الديمقراطية نفسها، أمّا ما نعيشه اليوم في هذا الزّمن اللّعين فيسمى بالدكتاتورية. لذلك لا نستطيع أن نتحدّث عن ممارسات بعض الأحزاب الصّورية التي جيئ بها لحفل الدّيكتاتورية لتزيد الطين بلــــّة. نحن لا نستطيع أن نتحدث عن ممارسات الأفراد المعارضة و عن كيفية هيكلتها و عن عملها و مردوديتها أن لم يكن لها فضاء خاص. سادتيـي أيها المعارضون ، لا أبدا..لا و الف لا !!! ما أنتم بصدد قوله ...تحملّون أشخاص أبت إلا أن ترفع أصوتها عاليا ضد الدكتاتورية مسؤولية عدم التنظيم و عدم أيجاد بديل سياسي!!!!في هذا الفضاء سادتي تسقط كل التّحاليل الديمقراطية. كل من موقعه، وجب عليه ممارسة مفهوم التعبئة الشعبية ضد الدكتاتورية و ضد فلسفة الأقصاء. كيف ذالكّ...؟ بالكتابة، بالنصّوص، بالأشرطة الوثائقية، بكل وسائل الأعلام المتاحة و الغير متاحة و خيرها بالخطاب المباشر عبر تسجيل الحوارات و حتى الخطابات.

لقد أستطاعت هذه الأقلام الثائرة تضيق الخناق على الدكتاتورية، ألى أن جزّ بها لممارسة الأرهاب فعلا و أدبا. لقد رفع الشعب التونسي يديه من تراب قبر التجّوع و التغيّر و التبشّير أيضا و لذلك و لوجود فراغ سياسي قاتم أمام الشعب التونسي لا بد من إعادة كل الكتابات و كل الحوارات عبر فلسفة جديدة : فلسفة التعبئة من أجل بديل ديمقراطي تستطيع أن تعيش فيها المعارضة كمفوهم خرج من صلبه. مفهوم التعبئة لا يعني التنظير للفوضى و لكن الثورة التي ستأخذ شكلها الطبيعي، قد تكون هادئة في هدوء منضريها و روّادها و قد تكون صاخبة و حارة في حرارة شعرائها و فرسانها.

كيف تعارض ّّ؟

هذا السؤال حيّر الكتاب و المفكرين!!! لا أبدا ليس فرضا أن تكون منضّما داخل حزب و لا حتى داخل جمعية ...عارض، مغرّدا على أغصان الأشجار، عارض في قاعة الدّرس، عارض بخربشة على حائط المدرسة : قل سقط القمع هنا، أكتب على كراسك ...نحن شعب لن نرضى ...بالغورة و الدسيسة لن نرضى. أكتب على ماء البحر كلمة حرية ألف مرّة حتى بنضب البحر. عارض داخل عربات النقل الرّيفي، عارض داخل وسائل النقل العمومي ...أكتب على لوحك و عند الصّباح و أمام المعلّم : الحرية لمحمد عبـــــو ...الحرية لعبد الله الزّواري ...الحرية للمساجين السياسين...أكتب يا ولدي العدل أساس العمران.

تحية ثورية لكل الطّلاب ...تحية ثورية لكل الأباء و الأمهات اللذين أستماتو دفاعا على فلذات أكبادهم ....بكم تصنع الثورة ...بدموعكم ستشعلون وقودها. كل دمعة ستصبح وردة و على كل خد قبلة....قبلة زينب كما في كل صباح باكر.

سادتي أيها الكتاب اللذين لم يربطو خيولهم بعد، أن وجودكم على الساحة و ثباتكم، يمثل الأمل الكبير للشعب التونسي بكامله فلا تبخلو و لا تتخاذلو من أجل إعلاء كلمة حق ...لا تتوانو و لو لحضة واحدة في تبليغ أنــــّـة من أنات ذاك الوطن. سادتي لا تتأثرو بمن قبعت في قلوبهم الهزيمة و الحقد فقد مرت بهذه الحلبة عديد الفرسان و كانت لهم زينب بالمرصاد و هزيمو أية هزيمة ....كما ستهزم الدكتاتورية عما قريب و ستسقط قرطاج رغم أنف عليسة و جميع الفنيقين أن شأتم.

أيها الكتاب، أيها الرّفاق، أيها الصدقاء ، نحن نكتب و لا نريد جزاءا و لا شكورا...أنما قناعة منا بهذه الضرورة الحياتية ليكبر الأمل في عيون أبناءنا و بناتنا...نكتب إيمانا منـــا بضرورة توسيع الفضاء السياسي، الأعلامي إلى أقصاه. اي فضاء لا نزوره سيزورنا ...و لذلك وجب عليكم سادتي إعمار كل الفضاءات الحرة حتى نقطع الطريق أمام الفكر الهدام و فكر الهزيمة التي تورده و توزعه أجهزة الدكتاتورية ....أي فضاء إعلامي تونسي حر ...وجب عليه نشر و توزيع أي محاولة كتابية و بأي لغة كانت و على أوسع نطاق...إن سقوط الدكتاتورية مرتهن بعرض الفضاء ....سقوطها لا يكون عبر البوليس و عبر الحرس، بل سقوطها عندما تسقط في قلوب من أحببنا من تلاميذ و طلبة، من عمّال و فلاّحين. نكتب لهم و لآجلهم سنقضي العمر في المنفى.


قاسم

المــــــوت




1- لـــنا عودة مع الدّكتورة سكسي
عمـــــّا قريب



لست بي و لست بك.... بل بالأرض التي نمشي عليها

و صالح لن يصالح ...و السماء لن تصالح ...و الجبال لن تصالح ....و قاسم لن يصالح
و زينب لن تصالح

لحبيبتي ...لأبنتي ...لأصدقائي اللّذين أحبهم
أقول ...لا تغادرو ...و المواجهة أولى... و النصر لكم
إلا أن تثورو ...إلا أن تثورو ....ألا أن تتكلّم الأرض

وأستوت على عرشها زينب و أغمضت عينها و لم تعد حبيبتي لترى المزارع تطوى و الأشجار تسير ألي الخلف. هنا و في هذه اللّحظة بالضبط رميت ببصري ألي الوراء. فبانت لي سوداء، خرقة ...لا بل أرض ...يسمى بالوطن. عظم على سطحها الضلم و كبر عليها الأستبداد، غابت عنها الضياء يوم أعدم فيها القضاء وصلب بين يديها الأنسان.... يباع و يشترى، هذا الأخير كما العبد في سوق البغاء.

أعتذر عن هذا الأنقطاع و ذلك لأسباب تقنية بحتة

في أحدى مخازن الشابع من النوفمبر ...جلس الجميع في إنتضار الزّبائن. تبدو على وجوهم ملامح الشّر و القهر و الضّلم. هاؤلاء هم باعة المهندس و الأستاذ و الطبيب و حتى المحامي و القاضي. هاؤلاء سادتي هم باعة الشعب التونسي ...لا عمل لهم ألا أكل لحم البشر و بيعه لحيتان البحر. و كم باعو من رجال و كم هرّبو من أطنان المخدّرات و كم هرّبو من أفارقه و كم سجنو من مساكين و كم عذّبو من فقراء. جلس ثلاثتهم في أنتضار البضاعة. جلسو ألي الخمرة على بعض من صناديق البلاستيك ...جلست الرّذيلة فكانت أخبث من الفقر و أسقط من القهر. توسطهم ، سيدهم ( حمادي التونسي ، هذا الرّجل البدين، الذي بدى لي كجلاّد فرعون ، على يساره تربع أرضا الجيلاني كريوكة و يمينا جلس ألى بعض الطاولة هذا الشيطان قائد المركب أو الرّيس كما يقال في لغة البحرية.

· قداش عندك من راس اللّيلة يــــــا سي الرّيس
· علمي علمك ...الليستة الي عطيتهالي ...مازلت كما هي
· البابور قادر أهز أكثر و إلا؟
· شوف البابور جديد و لكن ...ما ضبيك ما أتكثرش ...
· ثمة ثلاثة ..حبين يحرقو الليلة ...فلوسهم حاضرة ...و خلصونا ...ديجا
· أنا من أرّجعهاش ألتالي ...صب ...كويس يا كريوكة
· يا بابور يا بابور...إن شاء الله لابـــــــــــــــاس ....سبقّ الخير تلقى الخير
· لا باس ...لاباس يا سي المدير...الكل يخلطو و لمبادوزا ...موش بعيدة...الشّدة في ربي

خرج حمادي التونسي و نادى على قائد المركب جنبا...ترى ماذا قال و لكن في الأمر شيئ، ربما لم يكن في حسبان السيد الرّايس ...أتفقا على ما يبدو و غادر السيد حمادي المكان بسرعة كبيرة متسترا بظلام الليل. كان كل شيئ يوحي بحالة الأحتظار. شعب يحتضر ! أمة تحتضر ! و عادت لتفرغ الشوارع من جديد و كان شيئ مسح الأرض ليجعلها قافرة كما القبور. مدينة ليست كما المدن فيها تشتم رائحة الموت من بعيد ...و لم تنزل المطر و رغم الرياح العاتية و العواصف الهوجاء لتمنع هذا المركب من الأبحار ...أبدا لا، أغلقت كل المحلاّت و كل الدكاكين و لم تبقى إلا القطط اللّقيطة ...أين نحن ! أين العباد و الساعة مازلت لم تتجاوز السابعة ليلا. شتائك يا مدينة الموت، أجوف كما طبل الحرب. لندخل معا ألى ديارنا و نكتشف العالم الدّاخلي في هذا الزمان و في هذا المكان و في هذه اللّيلة السوداء.

في بيت حاتم : أنتفض البيت و كان شيئ قد يحدث بين اونة و الأخرى ...أنزوت أمه في مكانها و غاب وجهها بين يديها و لا ترى إلا الصدر ينتفض من شدة البكاء و من شدة القهر و حر الفراق. أما حاتم فيمشي حافي القدمين ...لا يجد لنفسه مكان بين أخوته و أخواته ...جلس الأب في حالة يرثى لها ...بدى عليه الأرهاق و لم ينطق بحرف واحد ...بدت أخت حاتم كما الخذروف، تدخل بيت أخيها و تخرج منها و كانت قد نسيت كل شيئ و كل ما وضعت في الحقيبة ...تفرغها ...ثم تعيد ترصيف ما قد يأخذه معه في رحلة الموت ...يبتسم حاتم ، غارقا في الخوف فتمتلئ الأحداق عبرات ، ليجلس ألي أمـــــــــه و يأخذ بصدرها ...جلس أليها شاقا طريقه بين يديها ...يا أمي ..لا حل عندي في هذا البلد ...أفهمي ...يا قرّة عيني ...أني أغامر ألي البحر و أبحث عن وطن لجبيني ...يا امي لم أعد لأجلس أليك هنا في البيت كما أختي ...أنا رجل يا أمي و وجب علي المغامرة ...وسأكون كما كنت يا أمي بطلا في عينيك.

· أدع لي ...يا ميمـــــــــتي ....بالنجاح
· يا وليدي ...حارة ...حارة ...الفرقة ...كانك في طيارة ...موش مشكل ...معزز مكرّم
· يا أمـــــــي ...الكلو كي بعضو ....أدعيلي بالخير ....يا بابا ...أجى أقعد بحذاها
· حاضر يا وليدي ..رد بالك على روحك ...شوف الصّاك متاعك ...أش ناقصك
· يا بــــــا با ...شدهم ما أتخيليهومش يخرجو ...ورايه ...لا تشلق بي العساسة
· أزرم و العمل على ربـــــــــي ...ملي توصل ....كلّمني ....يا وليدي ...برى ربي معاك

قفز المهندس حاتم من النافذة المطّلة على الشارع الخلفي لبيتهم و طار على السطوح في أتجاه نقطة العبور...راكضا من سطح ألي سطح ، هاربا من عيون العسسة في أتجاه البحر ، أين سيكون موعده أما مع الموت و اما مع العالم المنشود الذي سكن في رأسه منذ لم يعد في بلده معنى للحياة. حاتم لم يلتفت و لو لدقيقة و يلقي النظرة الأخيرة على بيتهم و على حيهم، بل واصل طريقه كأنما يعرفه منذ ان خلق. يسير ألي نهايته بكل ثبات ...سنعرف عما قريب ، هل سيموت بين أنياب كلاب البحر أم عبدا للعالم الجديد.

على السطوح المجاورة لم يكن ألا حاتم قافزا ...بل عشرات من الشبان من المهندسين و الأستاذة. الكل يجري فوق السطوح و كان الأرض لم تعد لتسع أجسادهم ...هجرة من فوق السطوح و لو كانت لهم أجنحة لطـــــــارو ألى أبعد أرض عن وطن بدى لهم جهنم و لغيرهم مجزرة أكلي لحوم البشر ...خيرو ( الحرقة ) ، أختارو أن يغامرو عبر البحر و تحالفو مع الشيطان ألا يواجهو فرعون ! أختارو الحل السّهل ألا و هو الموت بين المواج ...أختارو الهورب من واقعهم و لم يأقرأ أحدهم حروف الأرض . هكذا سخّر لهم الشابع من نوفمبر البحر ليتخرجو أليه و سخر لهم الجامعة ليصبحو في يوم طعما لأسماك البحر. فعندما يكون التكوين الجامعي و المدرسي تكوينا فارغا ، لا علم فيه فلن نجي و ما نحن الأن بصدد حصاده ألا جيــــــــلا ، لا يعرف ما قيمة الحياة و ما قيمة الأنسانية و ما قيمة الموت في حد ذاته ...هل نعالج هذا المرض أم نكتب النقد الذاتي و ما نحن هنا إلا لنزيد الطين بلة بأقلام أبت إلا أن تجعل من الرّذيلة مدرسة لها، و لا داعي لأذكر عليا و صالحا و لكن أراهم كما حاتم و أقرانهم (يحرقون) ألي عقل لا أره عندهم. فحرقة المثقف أو الكاتب أمر من حرقة حاتم و من لهفات قلوب الأمهات. ألا أيها النخبة ...أما أولى وطن تدخلون عليه بالحب أم هجرة لعقلانية لا معنى لها و أنتم في قلب الرّذالة.

هنا ميناء جمهورية الموت ...ربظ المركب و شطح على موجات الرّيح كما أنه يتربص بالمهاجرين. جلس في داخله قرابة العشرة رؤوس و ما زالو في إنتضار الأخرين...بدت عليهم ملامح الأمل البعيد و كانو قد أحتسو بعض الخمر ...فمالت رؤوسهم يمنة و شمالا و غني أحدهم الأغنية الشهيرة : يا بــــــــــــــــــابور .....با بــــــــــــــــــــابور ....لا أحد في الميناء و لا أحد على الرّصيف...ألا بعض الورقات الصفراء التي توحي بالفشل الذريع ...فشل نضام ، لم يجد ما يصّدر ألا الأنسان ..هذا الأنسان أرخص بضاعة في وطن الغورة و الدسيسة ...تسربل حاتم ..قافزا كل شيئ ...و دخل المركب ...و أختبأ كما قط ...كما أرنب ...كما لا شيئ.


بدى المركب يغوص في البحر و هو مازال لم يغادر المناء ...على ضهره أكثر من سبعين رقبة ! كل رقبة كانت قد دفعث ثمن هجرتها بألف دينار...على ضهر هاذا المركب ، أشواق شعب ، أحلام شعب، ثورة شعب بأكمله ...للبحر ..أولى بالوطن و أولى من أمهاتهم و من كرامتهم و من حريتهم التي لم يحاولو حتى إنشادها ...بل أنشدو ....يا بابور. عندما تحّرك و تكلّم المحرك ..بدى بعيدا صوته كما صياح صوت النعام....تمايل يمنة و يسارا ...خرج من المناء متثاقلا كما إمراة في شهرها الثامن....حبلى بلدي و حبلى موجات البحر ...و قفز كلب البحر فرحا بقدوم الفريسة. إبتعد و غاب عن الشاطئ مركب القمع و مركب الرّعب ليتهادى شاقا طريقه لعالم المعرفة و الرّخاء. تواصلت العاصفة و لم ترحم أحدا و بدى المركب كما قشة يطفو و يغطس في مهب الرّيح.


في أي أتجاه يتحرك هذا المركب و ألي أين ، لا أحد من المسافرين يعرف علم الأبحار و لا أحد كان قد أبحر من قبل. منذ يوم كامل و المركب في قلب البحر و كم من مرّة ينجو من تحت موجات المتوسط ...مرض جميعهم و كثر الجدال حول الأتجاه ؟ و لم يستطع رب الباخرة تحديد مكانه بالضبط من جزيرة لمبدوزة ...لم يفهم كيف اخذه الموج شرقا و لم يفهم شيئا من هذه المغامرة فهو يطبق تعليمات صاحب نعمته حرفيا ...و لربما في الأمر شيئ ...و كثر الصّياح على المركب و خاف جميعهم و طلبو منه العودة ألى الوراء ...بدى الفشل يدخل قلوبهم و الرّعب قد أخذ منهم مأخذا كبيرا. جاعت القبيلة و لم يجدو مأكلا و لن تجود عليهم السماء ألآ غضبا.

طالت بهم الرّحلة، و هدأت العاصفة فجأة ، طفح المركب على سطح الماء كما أنه أفاق من نوم عميق. نجت القبيلة العائمة من الغرق... ألي اين يا ترى. طالت لحاهم و هجم عليهم الشعر فبانو كما أصحاب الكهف...أخذ منهم الجوع مأخذا شديدا و لا شيئ على ظهر المركب ألا بعض الفتات. و قد تنطلق رحلة الصراع من أجل البقاء و لم تتخلف عدستي على هذا المشهد : أين ألقي بصديقهم من فوق ضهر المركب لآنه أمتنع على مد الأخرين بالخبز...و سكتت القبيلة أمام الجريمة و كأن شيئ لم يكن...وقف المحرك عن الدّوران ...و أستسلم المركب لسلطان البحر. ..ليس بعيدا عنه كان القرش يحوم كأنه في إنتظار جسد من الأجساد....كان الموت .....و لم يغادر البحر .... إسودت وجوهم و زاد الشيب على رؤوسهم فغطى شباب كان في ما مضى شرفا لأهل الأرض.

قفز الجميع فرحا بدخول مركب سريع عجلة البحر ...و بدى يقترب كما الشرارة ...من هذه المقبرة الصّغيرة في عرض المتوسط ...إقترب المركب السريع ...و طلب النجدة لتكون من مركب أخر ..لحضات و كانت الطائرة في الموعد ....هنا سادتي ...الجيش الأمريكي ...من القاعدة العسكرية بجزيرة مالطا ....كل شيئ يقول أن المركب على ملك أرهابين ...و كانت التذكرة لجزيرة كوبا ..ألى قونتنــــــــــــــــمو......هل كان حمادي التونسي متعاقدا ؟ أم كانت هدية أخرى كما أطفال ريانة و بنزرت...هكذا سادتي ...تباع و تشترى الرّجال في البحر و من البحر و على ظهر الحرية و الكرامة و الأنسانية ....لست هنا لأكتب الخيال فقط ...بل أكتب ما قد يكون أشبه بالحقيقة.

kacem