عندما تمدّدت على الأرض تطاول حولها العشب أنعشها عطره فغذته بحنينها حتى تمرّد على الجفاف. تمدّد غطاها فلم يعد يبرز منها سوى النهدين، رف الحمام وحطّ فوق النهد تماما، غمره الدّفئ تطلع إلى المكان فأعجبه الهدوء، حملق في العشب المتمايل حولهما كأنما يهدهدهما . مدّ منقاره، قطف بعض الوريقات، رتبها جيّدا فأقام في تصميم هندسي عجيب عش فراخه، مكث فيه قليلا، وضع البيض وتركها ترقبه حتى تشقق، تناثرت أجزاؤه، زقزقت الفراخ فضلت تطعمها. نمت الفراغ، كبرت شيئا فشيئا ، تدربت على المشي، على القفز والطيران، لكنّها أبت مغادرة العش النهد، وظلت الحالمة نواحا، فتغمرها النهود حنينا، وأبى العشب إلا أن يتواصل تطاوله متمايلا مع صوت الحمام.عندما جاء الغريب " يصلح الأرض " كان العش قد تناسل، كان الحمام قد تكاثر، وكانت قد هنئت بمعاشرته.
ارتعد الجميع خشية اكتشاف السرّ ، وخوفا من التشتت وانقطاع الودّ وصوت الهديل.استدار الغريب حول المكان مستطلعا كاد يدوس النهد لو لم يتفطن إلى العش. أراد أن يزيحه عن مكانه حتى يكتشف التربة، زحف العشب عنادا وتشبث بالتربة حتى استعصى اقتلاعه، قفزت فراخ الحمام على الوجه الغريب تضربه بمناقيرها الحادّة حتى فقئت العينين الواسعتين. أصبح الغريب ضريرا يلتمس طريق العودة، قامت ترقبه والحمام يتطاير حولها، حتى تجلّى الخطر. أرادت أن ترقص مع الحمام من شدّة الفرح. حاولت أن تطير إليه، تحتضنه اعترافا بالجميل، فكانت في كلّ مرّة تصطدم بشيء صلب في الفضاء يجبرها على العودة نحو الأرض ترتطم بها، فإذا الأرض قاسية لا عشب فيها، وإذا الحمام يتحوّل إلى سواد قاتم يغطي المكان، وإذا بيدين غليظتين تطبقان على النهدين بقوة يتألم لها كل الجسد ...وأفاقت أخيرا على ظلمة الزنزانة، تفقدت الثديين فلم تعزلها على أثر لكنها اندهشت لعذوبة الحلم وقررت أن تكمله.
Zakia Difaoui