-د.منصف المرزوقي:
نحن نعيش زمنا قد يوصف يوما بأقذع الأوصاف ، اللهم إلا إذا شاءت سخرية الأقدار أن يعتبر عصرا ذهبيا، إذا ما كان الذي ينتظرنا وخاصة ما ينتظر الأجيال المقبلة بدرجة من الفضاعة لا نتصورها .وفي كل الأحوال ،لو حدث هذا لما كان إلا حصادا لبذور مسمومة زرعت في هذا العهد المشموم وقبله في عهد سلفه غيرالصالح . نعم إنه زمن مشؤوم بكل المقايسس. على صعيد الأمة، من كان يتصور من جيلي أنه سيعيش ليرى الفلسطينيين يسلمون أنفسهم للصهاينة خوفا من الوقوع في يدي فلسطينيين ؟ من كان يتصوّر ما سيحدث للعراق وللبنان ولكل أقطار الأمة الواقعة اليوم تحت احتلال داخلي يسهر على تواصله ولاة يحميهم الاستعمار القديم . على صعيد الشعب، من كان يتوقع أن تحكمنا في تونس وفي بداية القرن الواحد والعشريين دكتاتورية بمثل الحقارة والعنجهية والفساد واللاكفاءة كالتي تتحكم في رقابنا اليوم ؟ من كان يتصور أن بوسع رئيس عصابة أن يستولي على دولة خير الدين وأن يوزع كبير الجلادين جوائز حقوق الإنسان في يوم 10 ديسمبر ، أو أن يواصل ملك سوقي السخرية منا بالاحتفال بخمسينية جمهورية لم توجد يوما؟ من كان يتصور في بداية التسعينات أن الكابوس سيتواصل إلى اليوم ...أنه لا بصيص من الأمل والرجل مستعد هو وعصابته للعب مسرحية الانتخابات التعددية في 2009 ... والمعارضات تتفكك وتتلاشى والشعب مستقيل كثر من أي وقت مضى. وفي مثل هذه الظروف العصيبة يتضح المعدن الحقيقي للرجال والنساء . فإما الاستقالة والاستسلام المشروط وغير المشروط - وليست المعاذير والمبرررات هي التي تنقص- أو العض على النواجذ والمواصلة مهما كانت المصاعب. لكن كيف نتلمس الطريق والضباب يحف بنا من كل الجهات * ربما ليست الطفرة الإعلامية بالإيجابية التي نتصور . فعندما تتعالى الأصوات الناعقة ويتدخل في السجال أخصائيون في المغالطة والتزييف يعملون من داخل غرف عمليات بإمرة إخصائيين في العلوم الاستخبارية ، فحتى المرء المحصن يصاب بالدوران وتختلط عليه الرؤى والأوراق ...فما بالك بالمواطن العادي . في هذه الحالة يجب التوقف وسد المنافذ على السيل الجارف من الصراخ واعتباره مظهرا من مظاهر الأزمة وليس في أي حال من الأحوال وسيلة لحلها . ثم يجب طرح السؤال: ماذا يجري هنا وما معنى كل هذا الصخب ، كل هذا الضياع ، كل هذا الدوران في نفس الحلقة المفرغة ، ما هذا العجز؟ لقائل أن يقول قد لا تفعل سوى إضافة صوت لجوق الأصوات ....قد يكون، وقد يكون أيضا أن بقدرة الناس لحسن الحظ التمييز بين الغث والسمين... بين الصادق وبين مفتعل الصدق . كل أملي أن يشرفني قرائي ، كثيرون منذ أكثر من ربع قرن، بثقتهم في أنني لا أكذب عليهم ولا أنافقهم ولا أخفي عنهم شيئا ولا أريد استعمالهم، وإنما أنني أبحث معهم ومن أجلهم عن مستقبل لهذا الوطن الذي سرقه منا اللصوص . إذن الضرورة الأولى أن تكون لنا خارطة ذهنية للساحة السياسية حى نفهم أين نحن وما الذي يجري فيها بالضبط . لنستعرض الفرقاء في المأساة الهزلية أو التراجدية المضحكة التي حكم على تونس بالعيش فيها منذ وصول الملك أبو للسلطة في بلدنا . * ثمة هم ونحن . 1-هم أي عصابات حق عام تقودها عائلتان فاسدتان مفسدتان : عائلة بن علي وعائلة الطرابلسي، وهذه العصابات التي قد لا تفوت مئة شخص على أكثر تقدير، استولت على مقاليد دولتنا ،أي على جيشنا ، و شرطتنا و قضائنا ، وإدارتنا ، و خزينتنا و تستعمل كل هذه الأجهزة لحماية تسلطها واستبدادها وعمالتها للخارج واستنزاف خيرات الوطن ورمي المجتمع في مستنقعات الفقر واليأس والتجهيل. 2- نحن أي الأغلبية الساحقة من التونسيين ، داخل الدولة وداخل المجتمع المدني وداخل المجتمع، الذين يشاهدون استفحال المنكر وهم عاجزون لحد الآن عن إنقاذ وطنهم وشرفهم . ونحن نتوزع إلى حد الآن إلى ثلاثة عائلات. 1- المستقيلون الذين يمارسون سياسة النعامة بقيمهم المعروفة " اخطا راسي واضرب" و" ارقد لهم في الخطّ" و" آش نجم نعمل " الخ . لهؤلاء ليس لي ما أقول باستثناء الله يفرج عليكم . 2- التطبيعيون الذين يريدون تطبيع العلاقة مع العدو الاستبدادي انطلاقا من كونه قوة لا تقهر وكوننا ضعفاء الخ . في الواقع هم ينقسمون إلى قسمين . التطبيعيون الاستسلاميون وهؤلاء ألقوا بكل أسلحتهم تحت رجلي العصابات وطفقوا يكتبوا لهم وعنهم رسائل الغزل أملا في غفران ما زلّت به ألسنتهم يوما ... وطمعا في بعض الفتات. مهمة هؤلاء الوحيدة تصريف فعل نطالب بالإصلاح ولذلك أسميهم الطلبة بمعنى المتسولين، أيديهم ممدودة إلى الأمام ورؤسهم منكسة إلى الأرض : يا كريم متاع الله شوية إصلاح يرحكم بوك. لا أريد أن أناقش هؤاء الناس الذين صادروا لأنفسهم كلمات الوسطية والاعتدال والتسامح والعقلانية فالكل يدرك أنها مثل كلمات الديمقراطية وحقوق الإنسان في فم الدكتاتور . ما أقوله ليواصلوا استجداء من لا يلتفت لهم ولا يكلف نفسه حتى بأن يرمي لهم عظما فسيدهم هو أكبر معاقب لهم . ثمة التطبيعيون المحتشمون. هؤلاء ما زالت فيهم بقية حياء حيث يطالبون منذ عقدين بحرية الراي وحرية التنظم وإطلاق سراح بعض السجناء فكانت النتيجة التي نعرف بل ولا ينكر أحد أنهم قدموا الكثير من التضحيات . المشكلة هي أن هذه التضحيات تذهب سدى لأنها لا توظف من أجل التقدم كبديل حكم واستنهاض الشعب لينخرط في عملية مبرمجة لتصفية النظام الاستبدادي وإنما كمحاولة لإصلاح نظام فاسد بالأساس. أذكر أنني قلت عن النظام أنه" لا يصلح ولا يصلح" صيف 2000 في مقابلة هاتفية من بيتي المطوق بأربع سيارات بوليس مع قناة تلفزيونية قلبت للقضية ظهر المجن . شاعت هذه المقولة من الخليج للمحيط ، لكن مرتزقة النظام اكتشفوا أن أحسن طرق مقاومتها التهكم عليها . لكن ما فاتهم أن يقولوا لنا كيف اثبتت السبع سنوات الأخيرة كذبها . هل "إصلاح " الدستور سنة 2002، وإصلاح المجلة الجنائية ب" قانون الإرهاب" لسنة 2003 ، وتكثيف القمع ، وتعميق القطيعة مع أكثر القوى السياسية انبطاحا جزء من الإصلاحات العظيمة التي تثبت عدميتي وجذريتي وراديكاليتي الجوفاء؟ القاسم المشترك بين النوعين من التطبيعيين رفض الاعتراف بالخاصية التي تعمي الأبصار لهذا النظام وهو أنه على امتداد عقدين من الزمن لم يتوقف لحظة عن القمع ،أنه يزداد كل يوم وشراسة وفسادا، معرضا عن كل مطالب الإصلاح والمصالحة ، بل أن حقارة أساليبه ضد المعارضين لم تصل لمستوى الانحطاط الذي وصلت إليه هذه الأيام. على فكرة اسألوهم إن كانوا يعرفون التاريخ من أصلح، ومع من تصالح هتلر وموسوليني وستالين وتشاوشسكو وعيدي أمين ومنجستو وصدام حسين وترويخلو أو آخر الشلة ولد الطايع ؟ وفي كل الحالات أقول للتطبيعيين المحتشمين أو عديمي الحياء – وأنا لا أناقش أو أحاجج - ساوموا لمصالحكم الشخصية أو الحزبية ما عنّ لكم ،لكن ليس لكم الحق في التصرف في حقوق غير قابلة للتصرف هي حق التونسيين في اختيار من يحكمهم وفق قوانين الديمقراطية ،وحقهم في الكرامة،وحقهم في أموالهم العامة والخاصة ، وحقهم في الحريات الفردية والجماعية ... وليس بالقطرة قطرة وحسب جدول زمني يتحكم فيه الفاسدون وإنما دفعة واحدة، لأنه لا ديمقراطية بنصف استقلالية قضاء وربع حرية صحافة وخمس حرية انتخاب تطورها السنين . كفى من هذا الغباء ومن هذا الاستغباء دفعنا له ما يكفي من الثمن. نعم هذه حقوق ليس لكم أن تبيعوها في مقابل جوازات سفر وإطلاق سراح سجناء أو ترخيص لحزيب أو لصحيفة أو مقاعد موعودة في شبه برلمان. هذا الشعب له حقوق غير قابلة للتصرف وسيوجد داخله من يبقى رافعا لواءها إلى آخر نفس وإن سقط اللواء تحت أرجل الراكضين للفتات فسيوجد من يرفعه مجددا إلى أن يتجمع حوله شعب يبدو اليوم وكأنه أراد الممات ، لكنه شعب قد يفاجئ كل من احتقروه طيلة هذه السنين . 3- المقاومون لن أنجح في إقناع من اختاروا الاستقالة لأنهم وازنوا بين خسائر الاستكانة وأخطار المسؤولية فخيروا الأولى على الثانية . ليعلموا أنهم لن يجدوا في آخرة الطريق إلا المرارة والإخفاق لن أقنع أحدا من الذين اختاروا التطبيع مع الاستبداد لأنهم يدافعون عن مصالح وراء قناع الدفاع عن مبادئ فليذهبوا في طريقهم فليس في نهايته إلا الاخفاق والمرارة لكنني أريد أن أقنع من اختاروا المقاومة المسلحة وهم أكثر مما نتصور. إن تونس معروفة ب"اعتدال "شعبها ، بل ويذهب بعض غلاة البورقيبية الذين نادوا بخصوصية "الأمة التونسية" إلى حد اعتبار هذا" الاعتدال" خاصية بيولوجية تفرّقه عن الشعب الجزائري المتهم ضمنيا " بالتشدّد " وحتى بالدموية والوحشية لسرعة التجاءه للعنف لتصفية مشاكله مع إرهاب الدولة. ما فات أصحاب نظرية الاعتدال الفطري عند الشعب التونسي أنه اعتدال فرضته الجغرافيا وليس الجينات الطيبة لشعب يريدونه دون التصريح بالأمر أكثر تحضرا من الشعب الجزائري. فتونس بلد صغير، وأرض مبسوطة سواء كانت سهولا أو صحاري، لا يكاد يوجد فيها أنهار واقية أو جبال عالية أو غابات مترامية الأطراف يسهل فيها الاختباء وتنظيم حرب عصابات كما هو الحال في الجزائر. ويسكن شعبها مدنا صغيرة وقرى متفرقة يسهل على أي قوة تطويقها وإركاعها في ساعات معدودة. هذا العامل الموضوعي هو الذي فرض على شعب أعزل مواجهة قوى الاستبداد الخارجي والداخلي بستراتجيات استبعدت الالتجاء للسلاح إلا في أندر الحالات ولفترة بالغة القصرإذا سدت كل الأبواب . ولو تأملنا طريقة تعامل الشعب التونسي على مرّ العقود مع أنظمة الاستعمار الخارجي والداخلي لاكتشفنا ثباتا في مواقف تتمحور حول خيارين أساسيين. الأول هو التعاون مع المحتل الأجنبي أو المحلي وتاريخ تونس حافل ب"مآثر " من يسميهم الشعب القوادة، ولهم أقوالهم المأثورة التي يمجدون فيها الجبن والاستكانة لصاحب الأمر. أما الخيار الثاني فيقول بإدارة الظهر للظالم القهار والتعامل معه كما مع الموت ،أي كشرّ يجب تناسيه والعيش كأنه غير موجود. هذا الطرف هو الذي نمى مقاومة سلمية يمكن وصفها بالسلبية منها رفض التعاون مع المستبد ،واعتماد التقية بخصوص المشاعر الحقيقية، والانكفاء على الشأن الخاص، وممارسة التخريب في كل ما يتعلق بالشأن العام بالتقاعس في العمل وتعويم إرادة السلطة في بحر من التبلّد المقصود واللامبالاة المتقنة والحماقة المفتعلة والجهل المدروس. أحيانا تركن المقاومة السلبية- خاصة عندما يضعف المستبدّ- إلى بعض الجرأة كما هو الحال اليوم في بلادنا بوضع شارات التباين معه مثل إطلاق اللحي ووضع الخمار. للأسف بقيت المقاومة السلمية الإيجابية محصورة في جيوب وأشخاص موزعين داخل كل التنتظيمات ، لكن إلى حد الآن دون جدوى كبيرة . في مثل هذا الجوّ ، اللجوء إلى السلاح حماقة ، لا لشيء إلا لأنه لن يؤدي إلى النتيجة المرتقبة إي تحرير تونس من حكم العصابات ولكن على العكس سيدعم قوتها وهي تستغل " انخرام الأمن" لمزيد من إحكام القبضة ومزيد من التبعية للخارج ومزيد من الظلم الذي سيدفع مجتمع أعزل ثمنه الباهظ . إن أخشى ما يجب أن نخشاه هو أن أن تكون الخانات المخابراتية هي التي تأتي يوما لحلّ اختراع إرهاب تسيره لكي تربح فرصة جديدة . فلا أكثر ابتذالا من هذه الستراتيجيا التي يعرفها كل من درسوا تاريخ الأنظمة الدكتاتورية وآلياتها في الحكم . ماذا يبقى من حل المقاومةالإيجابية السلمية التي أكرّر، وسأبقى أكرر، أنها الحل الوحيد للخروج من الضباب والحلقات المفرغة . السؤال المطروح منذ سنوات: لماذا هذه المقاومة السلمية المدنية ؟ تكلفت الأحداث بأكثر من ردّ بليغ : لأنه لا مجال للمعارضة القانونية في ظل النظام الاستبدادي العربي وخاصة في تونس ، إلا إذا كانت مزيفة أو مهادنة...لأن مثل هذا النظام يريد لها أن توجد كشاهد زور وأن تعمل داخل أضيق حلقة تحت أشدّ الحراسة ... لأنه يقايض وجودها بعدم المساس بخطوطه الحمر وأهمها التداول والحال أنه بيت القصيد ... لأنها أصبحت بقبولها عدم المساس بشرعية الاستبداد تدور في نفس الحلقة المفرغة من العجز والمهانة منذ عقدين . ثم جاءت الأحداث الأخيرة بردّ الردود : لأنه في غياب المقاومة السلمية ستؤول الأمور حتما إلى المقاومة المسلحة بكل تداعياتها السلبية . فالخيار اليوم للانتهاء من أنظمة تسوقنا كل لحظة نحو فوضى مطلقة تعمّ شيئا فشيئا كامل أرجاء الوطن العربي هو بين المقاومة السلمية والمقاومة المسلحة بعد أن أغلقت أنظمة غبية على نفسها وعلينا كل أبواب إصلاح حقيقي . بديهي أنه لا يكفي أن نطلق شعارا لكي يتحقق من ذاته وأن علينا أن نفكّر لا فقط في تبرير الخيار وإنما خاصة في جعله واقعا وإلا أفسحنا المجال للخيار الآخر الذي نرفضه لمعرفتنا .بما بعنيه من تجدد الاستبداد. السؤال المحوري إذن هو : كيف نفعل هذا الشعار؟ هناك أربعة شروط رئيسية بدأت تتجمع ببطء ويجب أن نسارع ببلورتها لكي تنفجر المفاعلة التي نريدها, 1-بلورة الرؤيا السياسية هذه الرؤيا الواضحة تعتمد على مسلمات أننا شعب تحت الاحتلال الداخلي ، صادرت دولتنا عصابة حق عام يجب أن ترحل وأن لا تتجدد من الداخل إذا مات رئيسها ... أننا لسنا طرفا في "إصلاح " الدكتاتورية وإنما طرفا في اجتثاثها ...أننا نرفض اللعب داخل ساحتها الضيقة والمشاركة وتشريع انتخاباتها المزيفة... أن حقوقنا كشعب غير قابلة للتصرف ...أنها لا توهب من طرف بطل تغيير جديد وإنما تفتك ...أنها لا تعطى قطرة قطرة وفق مزاج من يحكم ...أن المطلوب إصلاحات جذرية في إطار عقد سياسي جديد يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع . 2-بلورة الهدف إعلان النظام الجمهوري وبناء النظام الديمقراطي وتصفية آثار الاستبداد عبرالإطاحة بالدكتاتور ...منع تجدد الكتاتورية في إطار مهزلة جديدة يشارك فيها الطامعون والانتهازيون لتأبيد استبداد أكثر تهذيبا ...استرجاع الأموال المنهوبة ...محاسبة المجرمين...تعويض الضحايا... حلّ البوليس السياسي ... إرجاع الشرعية للدولة والكرامة للمواطن . 3-بلورة الوسائل : - الرفض المطلق للمشاركة في أي نتخابات صورية. - الانخراط في كل عمليات المقاومة السلمية مروررا من الكتابة على الحيوط ، رفع الأعلام على البيوت المقاومة ، وضع شارات الحداد ، تحريك الجامعة والنقابات والشارع وتنسيق التحركات قاعديا والدخول في إضرابات قاعدية إلى إعداد الإضراب العام بشعار واحد : نهاية حكم الطرابلسية وبن علي . 4-بلورة القيادة : لم يوجد شعب انتفض بشيء من النجاح إلا وكانت له قيادة يحترمها وتمثله . الطبقة السياسية التونسية تمنع قيام هذه القيادة لأسباب شخصية ( أنا أو لا أحد) ،ولأسباب تنظيمية ( وجود أحزاب معترف بها تريد الحفاظ على رقعة المنديل الذي تلعب فيه وأخرى غير معترف بها ليس لها ما تخسر) ولأسباب سياسية ( الصراع بين يريدون أنفسم تدريجيون عقلانيون سياسيون ومن يوصفون بالانفلاتيين المغامرين ) كل هذه العوامل هي التي أفشلت مخططات وحدة المعارضة في 1997 و2000 و2002 و 2003 وتمخضت عن فأر 18 اكتوبر الذي تحول في سنتين كما كان متوقعا من فأر إلى فؤير. آخر محاولة ستقع هذه السنة ، لكنني أشك كثيرا في نجاحها رغم أنني سأبذل قصارى الجهد لإنجاحها. وإذا فشلت المحاولة في تكوين مجلس وطني للمقاومة وتدافع القوم لانتخابات مشينة لمكاسب شخصية وحزبية سنة 2009 وعدم حصول تغيير فعلي من داخل الدولة على طريقة موريتانيا ، فتونس ستكون أكثر من أي وقت مضى على كف عفريت . آنذاك لا يبق كآخر أمل إلا أن يتقدم جيل جديد من القادة من داخل الدولة وداخل المجتمع لأنقاذ الوطن، ليس فقط من دكتاتوريته وإما أيضا من المتسولين و" المصلحين" وبقية مظاهر العجز والاحباط. وأخيرا يعيّروني بالعنترية، ما فاتهم أن التاريخ حفظ اسم عنترة كنموذج وقدوة ولم يحفظ أسماء من تهكموا عليه ولا حتى اسم من صرخ فيه كرّ وأنت حرّ لا أحد أصبح حرّا وهو يفرّ أقول اليوم لكل تونسي كرّ وأنت حرّ