ظهور عرض ملخص لكتاب حول حركة النهضة التونسية على صفحات أعرق جريدة تونسية شبه رسمية هي " الصباح " .. أمر يثير الإستغراب ويستحق القراءة.
جريدة " الصباح " شبه رسمية بالمعيار الإعلامي العام ولكن كل من يدرك حقيقة السجن الذي وضع فيه الإعلام التونسي الحر بمختلف مشاربه الفكرية والسياسية منذ الإنقلاب ضد بورقيبة لا يحتاج لذكاء خاص حتى يعرف أن " الصباح " تتحرك في أفق من الحرية الإعلامية محدود جدا كلما تعلق الأمر بالقضايا التي تعتبرها الدولة هناك سيادية مصنفة بالخط الأحمر القاني وعلى رأسها طبعا ـ بل هي الوحيدة تقريبا ـ حركة النهضة التي تجندت ضدها الدولة بكل مؤسساتها القمعية والإجتماعية وبنت مشروعيتها الفقيدة على إلغاء أي حركة إحتجاجية أو إصلاحية من منطلق إسلامي يستند إلى تنظيم حزبي أو إتصال بالناس أو محاولة تأثير في الرأي العام.
قراءة في خلاصة الكتاب.
الخلاصة قدمها إلى جريدة " الصباح " بتاريخ 2 أيلول سبتمبر الجاري السيد صالح عطية والكتاب من تأليف الد. علية العلاني بعنوان : " الحركات الإسلامية بالوطن العربي : دراسة مقارنة بحركة النهضة التونسية ". صدر الكتاب عن دار نشر مصرية بالقاهرة.
ركز الكاتب كثيرا على أسباب الإخفاق والفشل التي يورد منها التصدع التنظيمي في الحركة وتداخل السياسي بالديني فيها وتفويتها لفرصة المصالحة الوطنية التي عرضتها الدولة الجديدة بعد الإنقلاب ضد بورقيبة بسبب خطابها المعادي لمكتسبات معاصرة من مثل مجلة الأحوال الشخصية وعدم إحترام ثوابت الجمهورية ومقتضيات التعددية وعدم الإعتراف بشرعية السلطة الجديدة بسبب لائكيتها ثم يكاد يحصر تلك الأسباب في توخي سياسة تصعيد بداية من عام 1986 وإزدواجية الخطاب ومحاولة فرض بديل ثقافي من خلال الإنغراس في مؤسسات المجتمع من مثل المعاهد والكليات والنقابات وحتى الحزب الحاكم ..
كما أورد الكاتب بأن الحركة إكتسبت صلابتها من خلال نفوذها المالي وإستغلال الأخطاء البورقيبية ضد الإسلام وأنها كانت على وفاق مع الحركات الإسلامية خارج تونس ولكنها في توتر مع السلطة ومكونات المجتمع المدني ..
وأنه كان يمكن تلافي الفشل والإخفاق لوكانت الحركة سياسية لا دينية ..
ثم يدعو في الختام إلى عقلنة الحركة إسوة ببعض الحركات الإسلامية المغاربية بسبب أنها حاجة ملحة وممكنة في الآن ذاته ..
1 ــ المشكلة دولية بالأساس.
كثيرا ما يغيب عن قطاع النخبة حين يحشرون أقلامهم في تحليل ظواهر إجتماعية محددة أن عالمنا الحاضر أصبح يتشكل بأسرع مما كان سابقا في كثير من الجوانب بسبب عامل مهم جدا هو فقدان هذا العالم منذ عقدين كاملين لقاعدة التوازن الدولي وذلك في إثر أكبر أحداث القرن الميلادي المنصرم أي إندثار الكتلة الشيوعية بزعامة الإتحاد السوفييتي وإنتصاب أمريكا شرطيا يحكم العالم بعصا التهديد والغزو والحصار وتحريك الأقليات إبتغاء مزيد من الإنقسام.
إن الذين ينظرون إلى تجربة حركة النهضة التونسية بقطع النظر عن إتجاه النظرة نحو التثمين أو الإدانة أو في منزلة بين تينك المنزلتين .. أولئك الذين يحاكمونها دون إعتبار لأكبر معطى دولي مازالت آثاره راسخة في كل زاوية من زوايا واقعنا .. إنما يقعون في التهافت حتى لو إتجهوا نحو الرضى عن كسبها العام أو كسبها في هذا الملف أو ذاك.
المقصود من ذلك هو أن المعطى الدولي الجديد بعد إنتهاك ما بقي من حرمة للدولة القطرية العربية الحديثة التابعة وإنتفاء الخصوصية حتى في مظهرها الثقافي بل حتى في كثير من جزئيات وتفاصيل الظاهرة الثقافية من مثل العادات والتقاليد .. المعطى الدولي بعد كل ذلك هو الذي يلون الكسب ويسطر لسقفه خطوطا حمراء وهي خطوط ليست علوية فحسب كما يظن كثير من الساذجين أي أن تلك الخطوط لا تستهدف الحركة الإسلامية فحسب بإعتبارها في مقدمة حركة الإحتجاج والمقاومة الأعلى صوتا والأكثر تأثيرا في المنطقة العربية والإسلامية ولكنها خطوط حمراء سفلية كذلك أي أنها تحفظ قدرا من التوازن يمكن من إستخدامها عند ما يأبق العبد العربي أو تند الأمة الإسلامية ـ بفتح الهمز لا بضمها ـ عن بيت الطاعة الصهيوأمريكي.
في الحالة التونسية فإن مقتضى ذلك هو أن حركة النهضة لم تكن مؤهلة بحسب ذلك المعطى وسقوفه وشروطه ومصالحه لدور معارض جاد ولا بد لها أن تنخرط في إحدى الممكنات التي تتراوح بين الإصرار على حقها في المعارضة وعندها فلن يكون التعامل معها بألطف مما تتعرض له مكونات معارضة عالمانية عريقة تلتقي مع ثقافة العصابة الحاكمة .. وبين الرضى بمنزلة التياس المحلل أو شاهد الزور الأكبر وعندها يكون التعامل معها مختلفا نسبيا ..
بكلمة واحدة مختصرة : الوضع الدولي الجديد إذا ما فقه حق الفقه فإنه لم يكن يسمح لحركة النهضة التونسية بمجرد الوجود إلا داخل السجن بسبب أن الحركة أكبر بكثير مما آلت إليه الأوضاع دوليا ومحليا وهي ليست مؤهلة بكل المقاييس للإنحشار في قمقم لا يتسع لأنمل واحد من أناملها بله جسمها الكبير عددا بمنطق المقارنة على الأقل وطموحها الكبير ثقافة بعد عقدين في ذلك الوقت من التربية والعمل.
2 ــ المشكلة دولية بالأساس الأول .. ولكنها محلية بالأساس الثاني.
تعيش تونس وضعا إستثنائيا جدا بمقاييس كثيرة منها المقياس الإقليمي القريب أي المقياس المغاربي ومنها المقياس العربي العام ومنها المقياس الإسلامي ومنها المقياس الإفريقي وفضلا عن كل ذلك المقياس الدولي. تلك حقيقة إتضحت معالمها وتفاصيلها لعدد كبير جدا من المحللين في العالم ولم تكن تلك الحقيقة بارزة لغير التونسيين في بداية الإنقلاب ضد بورقيبة.
الإستثناء التونسي معقد مركب. ولكن يمكن إجمال وجهه العام في أمرين هما : الحرب على الإسلام في أظهر شعائره وأبرز شرائعه بل حتى فيما يتصل بالعادات والتقاليد التي تجمع بين الإنتساب للدين ولطريقة في التدين. الحرب على الإسلام في تونس ليست إستخداما إيديولجيا فجا أو تحاملا على هذه العصابة ولكنها حقيقة برزت هي الأخرى ـ ولله الحمد والمنة ـ بعد سنوات جمر حامية لنظر كثير من المحللين.
فإذا كانت عصابة العهد الأمريكي الصهيوني الجديد في تونس تعلن الحرب على الإسلام بتلك الصورة كيف يكون مستقبل حركة النهضة التي قامت على أساس ديني صرف ولن يزال الإسلام يوجه حركتها الفردية والجماعية والفكرية والتربوية والإجتماعية والسياسية؟
أليس من المعقول جدا أن تنسحب الحركة الإسلامية من تونس بعد إعلان الحرب ضد الإسلام وهي حرب توختها الدولة رسميا من خلال خطة دولية معروفة هي خطة تجفيف منابع التدين بل لم تظفر العصابة المنقلبة ضد بورقيبة على شيء يمكن أن يكون لها مرجعا في شرعيتها الفقيدة سوى تنحية شبح الإسلام عن البلاد كلما أضحى الإسلام يهدد إستقرار الحكم الموالي للغرب ثقافيا وسياسيا والحديث عن الإسلام هنا لا يكون إلا بالحديث عن حركة تحمل الإسلام فالتلازم بين الإسلام وحركته أو بينه وبين أمته تلازم بين جسد وروح أما الحديث عن إسلام مجرد عن ملابسات الواقع وعن حركة أو شعب أو أمة تحمله فهو حديث الأبراج العاجية المترفة أو حديث المتآمرين الذين يريدون إيقاع فصام نكد بين روح الإسلام وجسم الإسلام.
ذلك هو الإستثناء التونسي الأول في الدائرة الإقليمية والعربية والإسلامية.
أما الإستثناء التونسي الثاني فهو إستثناء يمكن كذلك تفكيكه لولا أن المجال هنا ضيق لا يسمح بإطناب واسع. الإستثناء التونسي الثاني يمكن تفكيكه إلى أمرين : أولهما هو أن تونس تعيش أزمة حريات شديدة جدا بالغة السوء ليس لها نظير إقليميا وعربيا وإسلاميا ودوليا ومن يذكر عشرية التسعينيات المنصرمة وسنوات جمرها الحامية اللاظية يدرك معنى هذا الكلام. إغتيال الحريات في تونس لو شكت منه حركة إسلامية لهان الأمر لأن الحرب الموقدة ضد الإرهاب والتطرف من لدن السفاح الصهيوأمريكي تبرر ذلك ولكن خنق الحريات خنقا مريعا أمر متفق عليه بين كل الناس في البلاد يستوي في ذلك أقصى اليسار مع أقصى اليمين كما يقال بالتعبير الإنجليزي التقليدي سياسيا. خنق لم ينج منه لا شيوعي ولا قومي ولا حتى بورقيبي مخلص لبورقيبة من مثل محمد الصياح ورموز البورقيبية الذين يحترمون في هذه النقطة المحددة أي أولئك الذين بقوا أوفياء لبورقيبة حيا وميتا أما عبيد الدجل وقطيع النفاق الذي يساق لأول ناعق فإن كفوفهم جاهزة للتصفيق لإبليس لو حكم تونس.
وفضلا عن كون تونس تعيش أزمة حريات خانقة شملت كل صاحب نفس حر حتى قلما مغمورا يسجل خواطره على مدونته الخاصة به إلكترونيا .. بشهادة العالمانيين قبل الإسلاميين الذين من المفهوم ألا تؤخذ شهادتهم في ظل إنتصاب المجزرة الصهيوأمريكية سيفا مسلولا .. فضلا عن ذلك فإن هذا الإستثناء الثاني في مظهره الثاني يمكن معالجته من خلال أمرين : أولهما أن خنق الحريات طال الحريات الشخصية الخاصة جدا وهو أمر لا يصدق لفرط فداحته وبشاعته عند كثير من غير التونسيين مهما كانوا مثقفين ومطلعين إلا قليلا منهم وثانيهما هو أن العصابة المنقلبة ضد بورقيبة ذات رصيد فارغ جدا في مصرف المشروعية والشرعية معا وهو أمر يعز نظيره في المستوى الإقليمي والعربي والإسلامي. بنت العصابة الجديدة شرعيتها على أساس إنقاذ البلاد من الخطر الأصولي فتحولت بسرعة البرق إلى أصولية غربية متطرفة تحكي زمن العجرفة الوندالية البدائية الأولى حتى تلقت تحذيرات كثيرة من قوى دولية نافذة كانت سببا في إنقلابها وراحت تبشر الدنيا كلها بإكتشاف البلسم الشافي لتطهير الأرض من الظاهرة الإسلامية وواتتها ظروف إنهيار الشيوعية وحلف وارسو وإعلان الحرب على القوقاز مقدمة للحرب على الإسلام والأمة الإسلامية قاطبة في مأساة صامتة تكشف آثارها اليوم عن مقبرة جماعية في إثر مقبرة ثم جاءت نكبة سبتمبر وكوارث مدريد ولندن وصعود أخطبوط القاعدة الذي منح أعداء الحرية وأعداء الإسلام صكا أبيض لشن حرب إنتقامية أو إستباقية.
ناكية النواكي هنا هي أن تلك العصابة التي ليس لها أدنى رصيد في الشرعية السياسية والتي بنت شرعيتها على إنقاذ تونس من الخطر الأصولي أتاحت الجو لفرط حمقها في التعامل مع الظواهر الإجتماعية المثقلة المعقدة لأصولية إسلامية جديدة عبرت عن نفسها فيما عرف بأحداث سليمان الدامية وما تخفيه الأيام الحبلى لا قدر الله أكبر وأخطر ..
ثاني الأمرين هو أن تلك العصابة التي خططت لإغتيال كل معاني الحرية مهما كان غائرا دقيقا وخاصا .. داست على أول إمتحان إنتخابي كان يمكن أن يكسبها حبة من المشروعية وذلك من خلال تزوير واسع جدا في أول إنتخابات برلمانية في 1989.
بأي وجه إذن يمكن لتلك العصابة أن تحتمل وجود حركة إسلامية بوزن حركة النهضة عددا في البلاد بالمقارنة على الأقل وترسخا في قيمة الحرية؟ بأي المعاني إذن كان يمكن لحركة النهضة أن تبقى خارج السجن وخارج المنفى؟ هل تصمت الحركة عن جريمة الإنقلاب ضد بورقيبة أم تصمت ضد جريمة التزوير الواسع لأول إنتخابات فازت فيها قوائمها بخمس الأصوات بشهادة العصابة نفسها بعد تفصيل النتائج وتفكيكها وإعادة تركيبها ضمن العمل المسرحي المخجل أم تصمت الحركة ضد جريمة تجفيف منابع التدين التي لم يسبق أن طبقها حاكم عربي أو مسلم أبدا مطلقا منذ العهد النبوي حتى أيامنا هذه أم تصمت ضد جريمة إغتيال الحريات التي شملت شركاءها في العمل السياسي رغم الإختلاف الثقافي الواسع جدا وهي جريمة مركبة بسبب العدوان فيها على الحريات الخاصة الشخصية من مثل خرقة قماش تضعها فتاة لم تبلغ سن الحلم بعد على رأسها ولدت بعد وأد حركة النهضة وعلى الحريات العامة أم تصمت الحركة ضد إطلاق العصابة لأيدي عائلتها وأصهارها ترتع في أموال الشعب حرة طليقة تأكل ما تشاء وتدع ما تشاء محتمية بسيف القانون الظالم أم تصمت الحركة ضد جريمة التطبيع مع العدو الصهيوني دون أيما حاجة حتى بالمنطق العربي الواهن فلا حاجة جغرافية ولا حاجة إقتصادية أم تصمت الحركة ضد جريمة إغتيال نصير المستضعفين في البلاد أي إتحاد الشغل أم ضد جريمة محاصرة رابطة حقوق الإنسان أم عن أي جريمة يمكن أن تصمت الحركة حتى يرضى بها رقما موجودا ساكنا لا ينفع محتاجا ولا يخاصم ظالما ؟؟؟
الحديث عن الإستثناء التونسي الذي يبرر إضطرار الحركة الإسلامية إلى الخروج من المعادلة الجديدة الظالمة دوليا ومحليا .. حديث ذو شجون ومن جزئياته وتفاصيله كذلك إستثناء النخبة الشيوعية المادية في تونس وهي نخبة معروفة بتجذرها تاريخيا وبسابقية معارضتها لبورقيبة ولكن كذلك بتطرفها الشديد جدا ضد الإسلام والعروبة وهو أمر لا نظير له في كل البلاد العربية والإسلامية إلا بشكل نسبي محدود في المغرب الأقصى والجزائر ..
أنى لحركة النهضة إذن بعد كل ما تقدم من معطيات دولية ومحلية متعلق بعضها بالسلطة الحاكمة وشرعيتها الفقيدة ومشروعيتها الآثمة وبعضها بالنخبة اليسارية المتطرفة جدا .. أنى لها أن تجد مكانا خارج السجن أو خارج المنفى مع المحافظة على طبيعتها التي لو فقدتها فقدت مبرر وجودها أصلا أي حركة إسلامية سياسية معارضة؟
3 ــ مغالطات تورط فيها صاحب الدراسة.
أ ــ أكذوبة المصالحة. ستؤكد الأيام يوما أن صاحب الكتاب مرتبط بنوع ما مع العصابة الفاسدة إرتباطا شعوريا أو إرتباطا قائما على الجهل الفاضح. يمكن لكل محلل منصف أن يتهم الحركة بتفويت فرصة المصالحة مع العصابة في السنوات الأولى للإنقلاب ضد بورقيبة ولكن بعد ما تبين الرشد من الغي في شأن حقيقة تلك العصابة وإرتباطاتها بالأخطبوط الصهيوأمريكي وتنفيذها لأعز مطالب ذلك الأخطبوط أي تفكيك دفاعات المجتمع التونسي دينيا وثقافيا وفكريا وإجتماعيا وماليا وسياسيا وقوميا على نحو يعزز من موقع الدولة والتمكن من إختراق العولمة في أبسط مظاهرها الثقافية السلوكية العادية اليومية .. بعدما تبين إتجاه بوصلة تلك العصابة فإن القول بأكذوبة المصالحة هو قول مردود ومفضوح. أي مصالحة يمكن أن تعقد مع هذه العصابة وهي في خصام فلسفي وعملي يومي مع أم تونس أي هويتها العربية الإسلامية؟ أي مصالحة يمكن أن تعقد مع تلك العصابة وهي في خصام مع كل مكونات المجتمع المدني بما في ذلك المكونات العالمانية التي تشترك فيها العصابة معها ثقافيا وفكريا؟ أي مصالحة يمكن أن تعقد مع عصابة دأبت على التطبيع مع الكيان الصهيوني دون وجود أدنى مبرر؟ أي مصالحة يمكن أن تعقد مع عصابة فتت إتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان وكل قوى المجتمع ودفاعاته الحية لإبتلاعه وهضمه وقهره حتى داست بدباباتها الرديف وما حول الرديف قبل شهور؟ على أساس أي ملف يمكن أن تتصالح حركة إسلامية سياسية معارضة مع عصابة سجلت الإستثناء عربيا وإقليميا ودوليا في كل مستوى : ثقافة وتطبيعا وإجتماعيا وسياسيا؟
العصابة التي لم تتحمل معارضة صغيرة محدودة من مثل عشرات من المجموعات اليسارية التي قد لا يزيد حجم الواحدة منها على عدد مقاعد سيارة أجرة أو من مثل عشرات المجموعات الإعلامية الإلكترونية التي تطاردها بعصا الأنترنت ليل نهار أو من مثل عشرات من المجموعات المستقلة التي لا يزيد نشاطها على تنظيم ندوات فكرية أكاديمية لا يفقه أزلام العصابة لفرط جهلهم كلمة واحدة من مفرداتها الفلسفية .. إن العصابة التي لم تتحمل ذلك لا يمكن لها أن تعقد مصالحة مع أكبر حركة إسلامية في البلاد عند العقلاء والحكماء أما الطائشون الذين تدفع لهم مرتبات مسبقة لبيع أقلامهم أو الذين يتقحمون ساحات التحليل الإجتماعي بمداد بائر وضمير طامع في فتات موائد السحت .. أولئك سرعان ما يذهبون إلى مزبلة التاريخ التي لا ترحم.
ب ــ أكذوبة الفصل بين الإسلامي والسياسي. الكلام الذي ساقه صاحب الدراسة يمكن أن يكون صالحا وصحيحا لو كان يتحدث عن حركات غير إسلامية أو حركات تدعي الإنتساب إلى الإسلام والإسلام منها براء سواء بسبب قهر الحاجة والإضطرار إلى التحريفية الشنيعة حرصا على مصلحة الدعوة بمنطق المفلسين والمتهافتين. أما حين يتحدث الكاتب عن فصل بين الإسلامي والسياسي في حركة إسلامية أصيلة معاصرة من مثل حركة النهضة التونسية فإن الحديث يكون مغلوطا منذ البداية وما بني على باطل معرفي لا طائل من مواصلة بحثه. قضية الوصل والفصل في الحركة الإسلامية بين الديني والسياسي قضية داخلية بحتة على معنى تثبيت معنى التلازم بين الدين والسياسة في الإسلام بسبب أن ذلك ثابتا قطعيا يقينيا مطلقا كليا لا تشغب عليه تهافتات المتهافتين ومجادلات الجاهلين وكذلك على معنى تحقيق مصالح آنية عاجلة من عملية فصل منهجية إجرائية لا فكرية ثقافية عقدية تحت سقف علاقة الوصل الكلية أو لتوقي ضربة محتومة أو غير ذلك مما يعرف في الفقه الإسلامي بالسياسة الشرعية. أما الحديث من لدن غير أهل الإختصاص المعرفي فقهيا وواقعيا عن الفصل بين الإسلامي والسياسي في الحركة الإسلامية فهو حديث سمر مريح في مقهى تعربد فيها رائحة السيجارة وربما لون الدعارة كذلك.
من يدعون إلى فصل فكري ثقافي بين الديني والسياسي في حركة إسلامية لا بد أن يكونوا إما جاهلين بالإسلام وحركته أو مغرورين ساذجين من الذين يحبون الخير ولكن لم تتعبأ عقولهم بالحق الذي يسبق الخير ويهديه أو متآمرين يستغلون حالة الإنهاك في الحركة الإسلامية لجرها إلى حمأة مخالفة عقدية شنيعة إذا ما تورطت فيها حركة إسلامية فإنها تحفر قبرها بلسانها وقلمها وتهافت قيادتها أما الراسخون في العلم الذين يديرون المعركة على ضوء فقه الواقع فإن دينهم هو دين الصبر والمصابرة والإصطبار عقدا بعد عقدا حتى يتسلم الأمانة جيل جديد في مناخ جديد بسبب أن النصر في عرفهم هو نصر القيمة لا نصرا فوق الأرض إذا عز النصر فوق الأرض.
حركة النهضة تميز بين الديني والسياسي في فكرها وسلوكها ولكنها لا تفرق بين الأمرين وهي في علاقة وصل وفصل في الآن ذاته مع المجالين والضابط في ذلك هو أن الحركة ليست تيوقراطية تدعو أو تعمل لأن تساس الدولة برجال دين لا يستمدون شرعيتهم من الإنتخاب الحر المباشر أو تختفي فيها الحريات الشخصية والجماعية ولكن العقد السياسي عندها هو عقد مدني حر بين الشعب ونوابه بل كانت الحركة سباقة إلى تبني إجتهادات متقدمة جدا يشهد كل باحث منصف بأنه لم يسبقها في ذلك كيان إسلامي معاصر.
كان يمكن لهذا الباحث أن يسلط الضوء على إغتصاب العصابة للدين وتحولها إلى هجين سياسي يجمع بين التنظير للعالمانية المدنية وبين تقمص دور الشيخ المريد الذي يتلفع بدثار الإسلام لتوطيد أركان حكمه.
إذا كان الفصل بين الديني والسياسي عندنا فصلا يخرق حبة خردل من ثوابت العقيدة الإسلامية ولكنه يمكن للحركة في الدولة والمجتمع حتى حركة معارضة موجودة .. إذا كان ذلك ثمن ذلك فالسجن أحب إلينا مما ندعى إليه ولن نكون بدعا من الحركات الإسلامية ولا نشازا في مسيرة الجهاد الإسلامي على درب الحرية داخليا والتحرر خارجيا والحساب عند إكتمال مشهد الميزان بعد سنوات أو عقود أما إستعجال الحساب ونصب الميزان قبل أوانه فمن شأن المتعجلين الذين يريدون حسنة الدنيا بذلة وخيبة وعار.
ج ــ أكذوبة الخصام مع مكونات المجتمع المدني. هذه كذلك أكذوبة فاضحة تورط فيها صاحب الدراسة ولو رجع إلى تراث الحركة حتى ذلك الذي دونه أعداؤها وخصومها أو طلب وثائق الأحزاب والحركات والمجموعات اليسارية في تونس لألفى بأن حركة النهضة كانت سباقة بفضل الله سبحانه إلى حسن فقه واقعها التونسي والدولي وذلك من خلال إنصهارها منذ البداية وخاصة بعيد الإعلان عن نفسها ضمن المنظومة الوطنية وهو إنصهار تشكل في حركات تعاون وتنسيق في المواقف المتعلقة بالحريات والقضايا القومية والإجتماعية وغير ذلك ولم يقتصر الأمر على مرحلة الثمانينيات أي مرحلة إندياح الحركة وإنتشارها بل تعدى ذلك إلى مرحلة سنوات الجمر الحامية حين أدركت مكونات المجتمع المدني بأنها أكلت يوم أكل الثور الأبيض في تونس بعدما تراءى لبعضها تحت وعيد العصابة وترغيبها بتحويل تونس إلى جنة خضراء .. أن العقبة الكأداء دون تحول تونس إلى واحة ديمقراطية غناء هو حركة النهضة وليس سوى حركة النهضة .. يمكن أن يشفع للكتاب في أكذوباته الكثيرة شافع من هنا أو هناك إلا هذه لأن التاريخ شاهد والفاعلون في التاريخ مازالوا أحياء يرزقون والوثائق المكتوبة مازالت شاهدة وهي في مخازن الأحزاب العالمانية في تونس أما مخازن حركة النهضة فهي في أقبية وزارة الداخلية كما هو معلوم وإذا كان للكاتب سلطان إليها فليستنطقها إن كان صادقا.
الباحث أحول بالتأكيد.
1 ــ زعم الكاتب أن من أسباب فشل حركة النهضة هو محاولة إنغراسها في المجتمع المدني من مثل المعاهد والكليات وإتحاد الشغل وغير ذلك. ألا يخشى على نفسه من سخرية الناس وكيف ينسب نفسه إلى عالم البحث ودنيا السياسية؟ هل تغيرت الدنيا من حولنا أم أننا في حلم يقظة جميل؟ كيف يعاب على حركة سياسية مهما كان دينها أن تنغرس ـ على حد تعبير الكاتب ـ في مؤسسات المجتمع؟ هل يكون البديل عن ذلك السكون إلى زوايا المساجد لا نبرحها على طريقة دراويش الحضرات أم يكون البديل عن ذلك اللجوء إلى القوة العسكرية أو الفوضى الشعبية أم يكون البديل عن ذلك التزلف تحت أعتاب العصابة لنيل مقعد في ما يسمى "مجلس النواب" أو وزارة أو رئاسة بلدية؟ أي بديل يمكن أن تسلكه الحركة ليرضى عنها؟ أليس الإنغراس في المجتمع بكل مؤسساته هو السلوك الحضاري المطلوب من كل جماعة تغيير جادة فوق الأرض إلا أن تكون صاحبة نفوذ عسكري غشوم وخاصة في بلد عسكري من مثل تونس تسحقه أحذية العسكر خاصة بعد الإنقلاب ضد بورقيبة فلا مجال فيه لأنتخابات حرة ولا لديمقراطية؟
أليست كل الكيانات العالمانية في تونس وخارجها تتسابق للخدمة الإجتماعية والإنسانية والإقتصادية والسياسية والثقافية من خلال الإنغراس في مؤسسات المجتمع المدني؟ ألم يعمد النظام البائس نفسه في ظل حكم العصابة إلى ذلك في إتحاد الشغل مثلا وتحديدا في مؤتمر سوسة عام 1989؟ ما الذي يجعل العصابة تئد رابطة حقوق الإنسان وتمنعها من عقد مؤتمرها بعد عشر سنوات كاملة على حلول الموعد؟ أليس لأنه لا وجود لزبانيتها في تلك المؤسسة؟
2 ــ كما أكد الباحث أن إشعاع الحركة إنما مرجعه إستغلالها لتعنت بورقيبة ضد الإسلام وهو حق ولكن هل يعاب على الحركة أنها إنتصرت للإسلام من حاكم جائر حتى لو كان جوره في ميزان العصابة التي إنقلبت عليه أحلى ربيع للديمقراطية عندما تبأس الديمقراطية .. أم يعاب على بورقيبة محاولته سلخ تونس عن هويتها؟ ألا ترى بعينك الحول اليوم يا سيد علية أن العصابة التي تحاول تبييض وجهها الأسود بعد ما كلح وجاف .. تعمد هي الأخرى إلى إستغلال أخطاء حركة النهضة وأخطاء كل معارض لها؟ أليس ذلك هو منطق العمل السياسي كلما كان لا يكذب ولا يبالغ؟ فإذا صمتت الحركة عن بورقيبة في قضية الإسلام فما الذي يبقى لها لتفعله؟ هل تعكف على إنتاج الكتب الصفراء والحصن الحصين وتملأه روايات واهية مغشوشة تخدر بها الشعب وتزيده تخديرا فوق تخدير؟ أم هل تنظم الحضرات الطروقية وتملأ البلاد بريح الجاوي والفاسوخ؟
وأخيــــــــــــــــــــــــــــــرا ...
1 ــ هل يعني كل ذلك أن الحركة كانت مبرأة من الخطإ؟
لا أبدا. أخطأت الحركة بالتأكيد وكانت لها شجاعة عز نظيرها ـ بل دعني أقول لك متحديا بأنه لا نظير لها في عالم السياسة في تونس على الأقل وإن قبلت التحدي فأنشر على الملإ تقويما داخليا أو علنيا لأن كيان تونسي ينتقد فيه نفسه سوى حركة النهضة ـ شجاعة جعلتها تقوم مسيرتها وتنقد أخطاءها وتسجلها في كتاب منشور معروف عند كل باحث منصف. أخطأت الحركة وحق لها أن تخطئ تحت ضربات السيف البتارة على مدى أربعة عقود كاملة وكذلك تحت وطأة نقص في التجربة وغير ذلك. أخطأت الحركة ولكن كل أخطائها كانت أخطاء سياسية أي أخطاء سياسية متعلقة بالإجراء والتطبيق وليس بالفكر أو الثقافة السياسية أو التصور. أخطأت الحركة سياسيا عندما لم تقدر الميزان الدولي حق قدره خاصة أنه يمر بأكبر منعرج في تاريخه الحديث بعد إنهيار الوحدة السياسية التي كانت تمثلها الخلافة العثمانية وذلك بسبب أن الحركة بالغت في العمل في الملف السياسي في ظروف عربية ودولية ومحلية غير سانحة بلحظة تغيير مهمة. هو خطأ سياسي إذن ولكنه خطأ سياسي في الإجراء السياسي ولذا يجب وضعه في حجمه المطلوب دون تهويل ولا تهوين. من مظاهر ذلك الخطإ السياسي الإجرائي مثلا : بروز الحركة قوة كبرى في إنتخابات 89 منافسا لجنرال منقلب لتوه على بورقيبة ومسنودا من أروبا وأمريكا وله تاريخ معروف في التجسس لصالح وكالة المخابرات الأمريكية في بولندا ومن تلك المظاهر كذلك محاولة فرض الحريات في البلاد دون تنسيق كاف مع كل مكونات المجتمع السياسي المدني.
أخطأت الحركة بالتأكيد ونقدت نفسها مبكرا جدا ونشرت ذلك مبكرا جدا ولكن الميزان العادل عند أهل التحقيق والرشد ينبئك بأن خطأ الحركة ـ خطأ سياسي إجرائي ـ لا يساوي قلامة ظفر في ميزان جريمة العصابة في حق الأمة وحق الشعب : جريمة في حق الأمة جمعاء بتوخي خطة تجفيف منابع التدين وجريمة في حق الشعب بتزوير الإنتخابات وفتح البلاد أمام الرذالة الأمريكية ليتغير كل شيء تقريبا في تونس بدء من ثقافة شرب الشاي حتى سلوك الطالب الجامعي والأستاذ الباحث من مثلك ممن يبيع شهادته لنيل رضى عصابة عما قريب تكون بإذنه وحده سبحانه في مزبلة التاريخ. وليكن ذلك بعد موتنا فليس الأمر متعلقا بأشخاصنا ولكنه متعلق بالقيم التي تصنع الإنسان صنعا وبالأمانة التي تورثها الجيل التالي لينظر هل كنت غاشا أو أمينا.
2 ــ هب أن حركة النهضة رفضت عرض العصابة في مصالحة مما مجه قلمك المأجور ..
فكيف هو حال حركات إسلامية تونسية أخرى عريقة عراقة حركة النهضة من مثل الإسلاميين التقدميين بعدما كان زعميهم إحميده النيفر ذراع المقبور الشرفي في تنفيذ خطة تجفيف منابع التدين. أليس ذلك مثال على حركة إسلامية تمكنت من السلطة فما هو حال أولئك اليوم؟ ألا ترى أن الجورشي يمنع من عقد ندوة فكرية من حين لآخر في نادي الجاحظ بسبب أن الحديث عن الإسلام الذي ظنت العصابة أنه قبر دون غسل ولا كفن ولا صلاة؟ وما هو حال الجماعة الإسلامية المسالمة المعروفة دوليا : الدعوة والتبليغ؟ ألم يسجن زعيمها التونسي المعروف الشيخ الهمامي على مدى سنوات ثلاث لأول رجوع له إلى تونس في حمأة الهجمة ضد الإسلام والحريات؟ هل تزاول تلك الجماعة السياسة؟ ألا تراها لا تبرح الأدعية المأثورة والسنن المعروفة تئد بها مفعول عالمانية حانقة ساخطة ضد الله؟ أين حزب التحرير الإسلامي في تونس وأين أحزاب وحركات إسلامية أخرى كثيرة في تونس بعد ضرب النهضة التي لم تعترف بشرعية العصابة على حد قولك وهو فخر لها حتى يوم الدين إن شاء الله تعالى؟ لا بل أين الحركات والأحزاب العالمانية في تونس؟ ألم تسمع بما يجري للشابي وحزبه وهو حزب معترف به؟ ألا تشهد لله شهادة حق ـ إن كنت حقا تؤمن به سبحانه ـ بأن مشكلة تونس ليست حركة النهضة ولكنها مشكلة العصابة التي وأدت كل معاني الحرية والتدين في البلاد مستنصرة بغلواء التصهين والمد الأمريكي؟
3 ــ عن أي تعقل تتحدث؟ جميل أن يطلب الكاتب التعقل من حركة النهضة حتى يسوى ملفها على حد زعمه كما وقعت تسويات في المنطقة المغاربية وخاصة المغرب الأقصى ولكن قل لنا ما هو المطلوب من حركة النهضة حتى نقوم به. هل مطلوب أن نتخلى عن الصفة الإسلامية فنتحول إلى العالمانية في زمن يتحول فيه العالمانيون إلى الإسلام أم هل مطلوب منا أن نتخلى عن الصفة السياسية وعندها لم يعد لأي واحد منا مشكلة مع العصابة فصكوك التوبة موضوعة جاهزة ولكن كل من شرب منها مغررا به وجد في فؤاده علقما حنظلي المذاق وإذا ما تخلت الحركة عن صفتها السياسية فقد خرجت من دائرة التغيير والإصلاح ولم تعد معارضة تنازع الدولة بالتي هي أحسن حسن تسيير شؤون البلاد مع العلم أن النمط الغشوم الذي تتوخاه العصابة في حكمها الشمولي المطلق لا يترك أدنى مجالا حتى لمن ينصرف عن السياسة ومتاعبها أم مطلوب منا أن نتخلى عن الصفة السلمية فنتحول إلى قاعدة جديدة في تونس أو مجموعة سليمان ـ إذا صحت رواية العصابة وماهي بصحيحة حتى يأتي الخبر اليقين ـ والحقيقة أن ذلك هو مطلب العصابة أي أن تتحول الحركة عن خطها الديمقراطي في زمن الحرب ضد الإرهاب فتكون الضربة القاصمة قاضية بمباركة أمريكية غربية عربية ولكن العاصم هو الرحمان سبحانه وهو أمل لن تظفروا به ما حييتم منا وحيينا إن شاء الله أم المطلوب منا أن نعتذر لكم ولكن قولوا لنا عما نعتذر؟ عن خطإ سياسي إجرائي لم نقدر فيه الميزان الدولي حق قدره وكانت نتيجته محنة قاسية ضارية ليس لها في دنيا العرب والمسلمين نظير حتى في مصر أيام الناصرية المتطرفة وفي سوريا أيام النعجة المقبور؟ محنة ضارية قاسية نتيجة خطإ سياسي إجرائي مازال يودي ثمنه الد. شورو ومن معه في سجون العصابة بعدما مات منهم عشرات تحت التعذيب وسياسة الموت البطيء وآلاف مؤلفة منا منفيون ومثلهم في السجن الكبير في البلاد يجوعون ويقهرون ويسامون سوء الخسف. محنة لم نصب فيها تونسيا واحدا بلطمة ولكن أخطأنا فتحملنا خطأنا وآثرنا الصبر الجميل ومصلحة البلاد فوق كل إعتبار متأسفين جدا على بروز نتوءات عنف في إثرنا بسبب سياستكم الحمقاء التي لا تورث البلاد سوى مثل ذلك سنة إجتماعية وقانونا كونيا لا يجامل ولا يعادي كما يقولون.
الدعوة إلى التعقل مقبولة مفهومة حتى لو كان إنحياز الكاتب إلى العصابة لا غبار عليه ولكن من يعقل من؟ أليست دعوة التعقل جديرة بالعصابة التي تطرفت ضد الإسلام وضد لغة الإسلام في تونس أي العربية وضد الحريات حتى الخاص منها من مثل إعلان الحرب تلو الحرب ضد فتاة ولدت بعد إدعائكم وأد الحركة وتحمل فوق رأسها خرقة قماش وضد الحريات السياسية والعامة طالت غير الإسلاميين من كل لون ومشرب وضد إتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان وضد أقوات الناس في الرديف وغيرها وضد حريات الناس في كسب العيش الكريم تسلطون عليهم أصهاركم يأكلون عرق جبينهم بقوة السلطان؟
إذا كان التعقل منا هو التخلي عن مقوماتنا الحميمية التي لا إجتهاد فيها من مثل الصفة الإسلامية والصفة السياسية والصفة السلمية فسحقا للتعقل وسحتا له وبعدا ألف ألف بعد. التعقل في هذه الحالة هو : الصبر وليس سوى الصبر فلا يظن ظان أن الصبر سلبية أو يسيرا أو هو سلاح العجزة أو تأخر عن المبادرة لا بل الصبر سلاح فتاك ضد التهافت وضد فقدان الأمل. لو إقترفنا عنفا أو إرهابا لحق علينا الإعتذار لكم وللدنيا من حولنا وحولكم ولكن يشهد الجميع أننا حركة سلمية ديمقراطية ولكن مشكلتها أنها جاءت في بلد غير ديمقراطي فكان لا بد من خروج أحدنا إما قيادة البلد غير الديمقراطي وهذا غير ممكن في ظل توازنات دولية وعربية وإقليمية معروفة بل حتى محلية كذلك ولم يكن هنا من بد آخر هو : خروجنا نحن فخرجنا مسالمين صابرين آملين في عودة آمنة سلمية كريمة لا ذلة فيها ولا خزي ولا عار لنواصل خدمة بلادنا مع شركائنا من كل لون ومشرب حتى تكون تونس لكل التونسيين فإن تحقق ذلك فبرحمة ربك وحده سبحانه وإن تأخر ذلك حتى متنا هنا ودفنا هنا فأهلا بالموت هنا وسهلا بالدفن هنا وعندها نكون قد خدمنا ديننا ودعوتنا وبلادنا خدمة جليلة هي : أداء الأمانة إلى الجيل اللاحق صافية رقراقة لا لبس فيها ولا غبش ولا كذب ولا دجل.
4 ــ شبح الإسلام يظل يطاردكم حتى تؤوبوا ـ وما أنتم بفاعلين ـ أو ترحلوا.
أما أن تنشر ذلك على جريدة الصباح التي إستاذنت من العصابة بالتاكيد في ذلك النشر غير المسبوق على حد علمي والله تعالى أعلم .. فإن ذلك لا يعني شيئا سوى أمرا واحدا هو : كلما كان ذلك الهراء المسمى بحثا يخدم جانب العصابة فلا بأس وما الضير في إدانة حركة وتبرئة جلادها وأسيافه تقطر دما أحمر قانيا كما يعني ذلك أمرا أخر كبيرا ومهما وهو : حركة النهضة التي كان إسمها ممنوع على كل القوائم والجرائد حتى المحلات التي كانت تسمى نهضة مثل بعض المكتبات إضطرت في سنوات الجمر الحامية إلى تغيير إسمها توقيا لضربة موجعة .. حركة النهضة التي أوهمت العصابة الجميع في التسعينيات أنها أضحت أثرا بعد عين .. تطل من جديد على لسان باحث جامعي تونسي في كتاب يقدمه لجريدة الصباح الرسمية في الحقيقة ـ شبه الرسمية في الظاهر ـ صحافي تونسي .. فإذا كانت أثرا بعد عين فلم الحديث عنها في رسالة بحث جامعية؟ هل يتحدث الناس عن الأموات والجثث؟ لا يعني ذلك أن العصابة وعت بأن القضاء على الظواهر الإجتماعية غير ممكن بالعصا والسجن والتشريد ولكن ذلك يعني أن الحياة اليومية العادية في تونس لم تنسلخ عن الإسلام يوما واحدا وليس هناك من مؤشر يتجه نحو إيصاد أي إمكانية لتحرك إصلاحي أو إحتجاجي على أي صعيد كان من منطلق إسلامي. ذلك يعني أن الإستثناء التونسي آن أوان غلقه مغاربيا وإقليميا وعربيا وإسلاميا ودوليا وذلك مؤشر على أن أبطال العصا أضحوا أثرا بعد عين حتى لو كانت رسومهم مازالت تملأ جدران قصر اللؤم والشؤم.
فمن الذي أضحى أثرا بعد عين يا ترى؟ حركة النهضة التي تملأ الصفحة الأولى من أعرق جريدة رسمية في تونس بعد عقدين كاملين من العصا الغليظة والقتل المتعمد أم هي العصابة التي تهب عليها رياح التغيير من كل صوب وحدب لو أن الناس من حولنا يصيخون السمع ليشعروا بدقة النبض وخفقان التغيير. ولكنكم قوم تستعجلون.
الحوار نت