12‏/07‏/2008

البرازيـــــــــــــــــل

مرقريتا


نزلت الحمامة الطائرة ...أهتز فؤادي إهتزازا....إمسكت يدي بمن بجواري..هل أنت تخاف الطائرة؟....لا أنا أخاف النزول ...أخاف أن لا أعـــــود. أخاف أن أسقط رجلا في عيني حبيبتي.

لم يفهم مني شيئا ...تركته و نزلت المصعد رويدا رويدا. شمس حارة كادت تكون على بعض أميال من رأسي. لا أعرف هل كان عندهم خريف أم ربيع و لكن ظوء النهار كان أسطع من أي شيئ أخر. لا حاجة لي حتى بالنّضارات يا له من ظوء و يالها من طائرة و ياله من مطار و يالها من خلق في هذا المكان. لم أطلب من أحد أن يكون في إنتضاري و لا أحد يستودعني فأني أعرف جيدا طريقي : كان لبيتي أم لنهايتي. لم أنتظر طويلا و في بعض اللحظات كنت خارج المطار لأكتشف الوجوه. لأول مرة في حياتي أكتشف الجسد الأبيض الأسمر اللماع. أن كانت الوجوه في المطار هكذا فكيف ستكون على الشاطئ. القاهرة و ظوظاؤها ...لندن و صخبها لن تظاهيا هذه المدينة التي لم أعرف من أين أتيتها و لا كيف و لا لماذا.

نمت كما لم أنم من قبل ...بعيدا على المدينة ...داخل غابة النخيل. لا يبتعد النزل كثيرا على الشاطي ...كان بين السفح و المحيط. جبلان بدا متداخلان مثلا لي نهدي صبية في ربيعيها التاسع و العشرين. بينهما ينزل شلال ليصب في المحيط ماء عذب يلتصف ذهبا. لم أنم ...و لا نام الأمل ...كانت معي و لم تفارق مخيلتي و لو لدقيقة واحدة...إتسعت الغرفة فكنت و كأني على سرير في قلب الغبة تداعبني أغصان الأشجار المثمرة. بأحداقي تتراقص حشرات مظيئة تشتعل كأنها فوانيس أضات كامل الغرفة.

على الساعة السادسة صباحا ...جلست وحيدا على الشاطئ ...لا أحد ...لا شيئ يتحرك و كأن الطبيعة مازلت في نومها العميق. وقفت أمام المحيط ...كانت عدستي جاهزة لألتقط أولى الصور. من اليمين لأغازل البحر و بعض البواخر البعيد إلى اليسار لأكتشف داخل الشاشة جســــد إمتد على شاطئ الذهب.

عندما جعلت منها أمامي و على شاشتي أكتشفت نفس ما صورت الطبيعة من جبلان تقاسما واد الذهب. إنتصبت نهديها على شاشتي لتجعل مني ماشيا إليها دون أدنى خجل.

لن يتحرر العرب و المسلمين إلا بتحرر نظرتهم الجسد نفسه. مرقريتا تمثل مرأه إمرة في عيون كاتبها. نظرتنا للمرأة كانت و لم تكن غير النظرة الجسدية و لم تتطور إلى الوصول إلى ما داخل الروح. محجبة كانت مرقريتا أو عارية لم يفهمها العرب إلا جبلا من اللّحم الطازج الذي كان و بدى الطبق السياسي صاحب القرار.

إقتربت منها دون عابئ بما ستقول و بما ستشعر إحراجا كان أو غيره. لا يهمني ما يدور براسها و لا أضن ذلك للأنها ليست و لا تحمل ما تحملو أنتم في رؤوسكم. إن تدعو الله في شيئ فأدعوه القبول. جلست أرظا و عدستي تغاسل جسدها ذهبا و إيبا على كل الزوايا و من كل الجيهات. لم تعبأ بي أبدا و كأني لست بجانبها ولا لست قريبا إلى حد مغازلتها بالعدسة. ثقتها بنفسها أفقدتني ثقتي بعدستي.

إردت أن أقول إن التونسي أفقد المرأة ثقاتها بنفسها فجعل منها حصان و مركبا ليس أكثر لتمريرالحداثة و الأسلام في أن واحد. يعريها ليقول حداثة و حرية و يحجبها ليقول أصول و شريعة. إين الفتاة ؟ أين شخصية المرأة ؟ هل تتحمل فتاتي أكثر من عدسة تكشفها على الهواء مباشرة؟

لست بعيدا على النزل و مازلت وحيدا على الشاطئ. وجهت العدسة إلى باب النزل الخلفي الذي يفتح على الشاطئ...أرى نادل يمشي إلي بطبق لا أعرف ما به. نادل النزل كما كل العملة يكتسي بذلة صفراء كما حبيبات رمل الشاطئ. أنه يتقدم بأتجاهي و لكن ليس من أجلي بل من أجل هذه الفتاة الملقاة كالشريحة على الشاطى. تقدمت إليه ...وقفت بينه و بين زبونته ..و طلبت منه تسليم الطبق بيدي. أخذت الطبق منه ..ضحك ...قائلا ...إنها صاحبة النزل يا صديقي.

أخذت الصحن و أتجهت إليها ...عندما وشكت من الأقتراب منها جلست و ألقت بشعرها الأسود خلفا ...وقبلّت بحرا. إستنشقت عطرا جميلا ...جعل مني أذوب في التراب لأجلس إليها وجها لوجه و الطبق في يدي.

عندما إبتسمت ...وضعت الطبق بين يديها...دقيقة أنستي..أمسح على عدستي و أثبتها على أرجلها الثلاث حتى تكون شاهدا علي...إبتسمت مرة أخرى ...و لم تقل شيئا بل أكتفت بأن تتذوق قهوة الصباح و تضع بالطبق جانبا لترشق يديها في التراب فاتحة ما تبقى من صدرها لصدر العدسة...أغلقت عينها الكبيرتين و ذابت بين نسمات البحر العليلة و بنفسجية الشمس التي كادت أن لا تشرق هذا اليوم ...فالشاطئ له شمسه و عدسته و عطره و دفئه اليوم. وقفت وراء عدستي لأكتشف الجبل و أقربه لأخذ هذا الجسد و إلقي به داخل واد الذهب دون إستشارتها ...سأريها ما فعلت به و كيف جهلت منه أية في الجمال.

عابر سبيل أم عابر جسد أنا هذا القسم؟ ذابت بين العدسة و القلم و غاص الخيال ليكتب ما تبقى من بعض القبل. لا وجود لها في عيني و لا وجود لي خارج عدستي...الموضوع ...هذا الجسد الذي أمامكم ؟ أما ما أكتبه فأعمق مما يتصوره البسظاء منا. لا لغة للعدسة و لا لغة للفن إلا الجسد. و لا حرية خارج هذه اللغة في منطق نظالنا من أجل كرامة الجسد كان عاريا أو محجبا ...كان كما كان إلا أنه يحمل روحا لا بد لنا من إكتشفاها بالغوص ما وراء العدسة و في أحشاءها. إنتهي التركيب و أصبح الفلم القصير جاهزا للعين المجردة.

تركتها جالسة قبالة البحر و لم أعد لأرجع إليها و لم أعد لأمسح البحر خارج عينها...لم ألتفت ...وصلت التسربل على شاطئ أمالي باحثا لعدستي لفريسة أخرى أكتشفها و أكتبها كما أراها و أقوم بالتركيب مباشرة بدون أظواء وعلى نغمات العاصفير...أمشي التؤدة و البحر على يميني ...و كم طويل هذا الشاطئ و كم ضيق هذا الأمل.

فجأة صخب البحر و أبتعد الماء من الشاطئ و كأن شيئا إبتلعه فأنصبت الأعشاب عارية و طخبطت حيتان البحر الصغيرة في ما تبقى من بحيرات صغيرة. و كأن شيئا غريبا سيحدث ...عندما إلتفت إلى الوراء لأكتشف مرقريتا ...تدخل البحر عارية ...خاف المحيط ...إستحى منها من جمالها ...من جمال جسدها و لم يتورع في النظر إليها و مغازلتها.



kacem kacem

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

Qu'est ce que tu raconte.