12‏/07‏/2008

أحمر شفاه زينب

أزرق لونه

*
بدى الفجر يغزو شعر زينب الغجريّ فأزدات جمالا رونقا و قبولا. جلست إلي عتبة الباب و اليد اليسرى على خدها...لم تعد لتنتضر أحدا !!! لم يعد ذاك البريق في عينها و لم تشرق الشمس هذا اليوم . ...واجمة بدت. دون حركة. محدقة في هذا الشارع الطويل ...غابت النضرات الطويلة لتصل حدود الجبل الرّامي بمعطفه الأسود على مدينة بنزرت. في عينها بدت الرّجال و كأنها أشباح تتحرك و تمشي في كل الأتجاهات كتلك الصور المتحركة في زمن السنما الصامتة.

صمت زينب ..زادها وقار و زادها صبرا...وكأنها تتلذذ الشمس المحرقة بجلدها الناعم ليحترق أكثر فأكثر...هل هي في إنتضار الموت ؟ أم في إنتضار عريس مات في سجنه منذ زمان. قيل لها ايام كانت زينب الميدان...أنها ستصبح عروسا هاذا الوطن و كانت وعدت بأن ترى عريسها بين يديها في يوم من أيام الربيع. ضحك على زينب عشرات المرات و لم يغادر و لم يخرج من زنزانته و مات و لم تره و لم يراها...قضّت أعزّ أيام شبابها في إنتضار عريسها أن يخرج من السجن و يقبلها و تقبله ...و يجريا على شاطئ البحر كما كانا أيام الصّبا .

يجري الشّيب بشعرها ساعة بساعة و تسّود قشرتها كل دقيقة لتحترق زينب كمدا على حبيبها الذي فارقها للأبد. لم يبقى لها من تنتظر و لا حب و لا غزل و لا حتى هاذا الوطن. أحرقت هذه الأرض كل قصص الحب و كل قصص الغزل ...قضّت جل الرّجال شبابها في السجون و أمضت النساء ليليها في أنتضار الأحبة.

و ما هذه الصور المتحركة التي تجوب الشوارع ؟ هاؤلاء هم رجال البوليس و رجال الشابع من نوفمبر... و ما أكثرهم و ما أقبحهم و ما أفشلهم أمام أخر هرم من أهرام هذا وطن...أشعلت زينب سيجارة و أمسكت بها بين أسنانها لتقطع مصفاتها و تلقي بها في قلب الشارع....جبدت نفسا طويلا ...إلى أن خر ذاك النهد الثائر ...و نفخته بعيدا بعيدا ليتلولب كالأفعى بين وجوه ما تبقى من أشباه الرّجال...ألقت بنصف السجارة شارعا ثم وقفت ...لتمشي في أتجاه الميناء. متثاقلة في قميصها الأسود بدت لي عجوزا لا تنتظر ربيعا قادما. غزى الشيب ما تبقى من شعرها الطويل فبان فجرا خجولا قبيحا لا خير فيه. بين المارة شقت طريقها لتجلس لمركب حبيبها ...كان قد قبض عليه منذ عشرين سنة. هذا المركب العجوز الذي طالما رافقت عليه حبيبها عندما كانت في السابع عشر. عندما جلست لتلك الشباك ...بكت و مزقت الحبال بيديها فسال الدم من أصابعها ...عندها مسحت بالأحمر على خديها كما كانت تتزّين خارجة مع فارس أحلامها ...أيكون هذا الدم في مكان أحمر الشفاه.
kacem kacem

ليست هناك تعليقات: