!!!!!إلي أبطال الرّديف و قفصة !!!!
واصلــــو الأظراب
غدا يوم العيد
ولم أشتري تذكرتي
للمرة العشرين
معذرة زينب ....
إني أعيش
كل يوم عيد
وعيد لقائك
لن يظاهيه عيد.
عيدي..
يا أمي ألقاك
و أمشي...
على الأرض و أياك.
عيدي
يا زينب أكتبك و أهواك.
ولو بعيدا عنك
في قلب هواك
لم أتعلم الكتابة و لا دراسة النص فأنا أكتب بكل حرية و بكل تلقائية و ما الذي يشدني إلى هذه الورقة حتى أكتب شيئا يكون خارج الموضوع... و هكذا، وجدتني أكتب و المقالة رغم أني يجب أن أكتب الرياضيات و الفيزياء ،ما السبب في ذلك يا ترى؟ لا شيء سوى سؤال عَجزت عن الإجابة عنه، عجزت كل العجز فلم أجد شيئًا سوى قلمي و ورقتي و أطلقت العنان للكتابة خارج الموضوع، فل أكن خارج الموضوع و خارج التاريخ.
دعوني أحدثكم عن أمي عن والدتي عن زينب ـ عن النجم المضيء. على أنف شامخا إلى السماء، دعوني أحدثكم عن والدي عن أرض عن حب بدون حدود عن حاجبين و عينين غارقتين بين في غرق البحار.
دعوني أحدثكم عن أختي الصغيرة زينب، عن قنديل أضاء كامل القرية عن صبية في ربيعها السادس عشر، عن صبية شفافة عن وجه مضيء عن رشاقة عن عفافة عن صوت جميل... عن خدين أحمرين من حرير، هذه عائلتي.
عن قريتي دعوني أحدثكم عن خمسة عشر منزلا يتوسطهم المسجد الصغير، عن القبة البيضاء و عن هلال أخضر، زادها جمالا و لمعانا.في ظل جبل كبير و على بعد نصف ساعة من الواد، هذه القرية بعيدة كل البعد عن التاريخ و الحضارة بعيدة عن كل شيء. فنحن لا نملك خطً للهاتف و لا جهازًا للتلفزة و لا أواني بلورية و لا آلات كهر بائية. أبي يمتلك أرضًا صغيرة و حمارًا و بعض الخرفان، كل آلاته مازالت بدائية. أنا ...لي درّاجة عادية ذات ناقوس من صنع أختي زينب، و أدرّس الأطفال الصغار في القرية المجاورة إنّها هي المدينة بالنسبة لي...
أمّي الحبيبة لم تدخل الكتاب و لم تفتح يومًا كتابًا و لم تمسك بقلم، منذ خلقت و هي و في الأرض فهي تعرف المنجل و المحراث، الحطب و بعض الأخشاب، تعرف جميع أنواع الأعشاب، تعرف الزرع و موعد الحصاد و موعد الحرث و تعرف متى ينزل المطر، و تعرف توجّه الريح و تعرف الطبخ و الغسيل و صنع الفخار.
لو كانت تعرف الفن، لطالبت بحقوق الفنان و حقوق الطبع و حقوق الصنع. يديها من ذهب فكل الأواني صنعتها مع ابنتها...المهندس الخبير والمهندس الكبير في آواني الفخار... أختي زينب لها يد فضية في نقش لأواني و هندستها، أمي هي المصنع و الخبير بالأفران... بالحرق و قوّة الفخار.
أنا الذي دخلت المدرسة و أنا الذي أقرأ الأخبار، أنا الذي أساعد والدي في الحقل أيام الزرع و أيام الحصاد... أنا كاتب هذه الكلمات لا أعرف شيئًا أمام والدي الذي لم يخرج من قريته منذ أكثر من ستين سنة... والدي أعزّه الله هو الذي خطط رسوم زراعة الزياتين فهو الذي)وزع(الماء دون معرفته لعلوم الهندسة و رسم الخرائط.
أمّا منزلنا فهو يبتعد نوعًا ما عن المنازل الأخرى قصير في قصر قامة أمي و نحيف في نحافة جسم والدي و لكنه يشدني إليه أكثر في المدرسة و أكثر من عيني حبيبتي التي لم أحدثكم عنها فهي ستكون بطلة هذه القصة القصيرة فلعينيها أكتب أنا.
الصبية ليست كالصبايا و ليست كالنساء... هذه الصبية لها جبال و شواطئ و سهول و مروج و أحلام، هذه الصبية عرفت جميع حظارات العالم عرفت الروم. و تقول عرفت العرب و البربر... عرفتني أنا في يوم من الأيام، و هكذا حتى دخل والدي.
قال والدي... اسمع يا قاسم غدًا أريد منك أن تشرفني و أن ترمي بالورقة السوداء عرض الباب... أمام الجميع و تضع في الصندوق الورقة البيضاء. اسمع يا قاسم لا أريد منك أن تكون سببا في هلاك هذه العائلة و سببا في طردي من عملي، و لا أريد منك أن تكون سببًا في بهذلتي. أمك مريضة و دفتر العلاج مازالت لم أتحصل عنه و قد وعدني رئيس الشعبة بذلك حالا بعد الاستفتاء.
و إعلم أيضا أن أختك مازالت لم تترسم في عملها و قد وعدني صاحب رئيس الشعبة بالتدخل لها كذلك بعد الاستفتاء... فلا تكن جحودًا يا ولدي فليس لنا من رزق سوى هذا المصنع. و نحن نصارع الحياة يوم بيوم.
إلتفت إلى أمي قائلاً، إستمعي لي جيدًا يا أمريكا، لقد استمعت لك كامل عمري و غدًا و اليوم يجب أن تنفّذي ما أقول و إلا فالحرب... غدًا صباحًا أريد منك أن تضعي الورقة البيضاء بكل هدوء في الصندوق و تخرجي إلى بيتك و تثبتي جيّدا من أن الجميع قد تيقن من أنك واضعة لهذه الورقة البيضاء. أعيد فأكرّر خذي الورقة البيضاء و ضعيها في الصندوق و كفى... أظن أني كنت واضحًا... و إني لطالب منك بكل بساطة هذا الشيء، فقمي بواجبك على أحسن وجه فإني أودّ أن أتحصّل على ترسيم ابنتك و دفتر العلاج.
التفت إلى زينب و قال... ابنتي زينب أودّ منك ابنتي الحبيبة أن تشرفيني أمام الجميع و تضعي الورقة البيضاء في الصندوق و تثبتي أن كل الناس قد شاهدوك واضعة لها، و هذا ليس طلب بل هو أمر.
لم تفهم أمريكا شيئًا، بل أشعلت الموقد مرّة ثانية و قرّرت إعادة طبخ الشاي من جديد، لا بل و لأول مرّة أشاهد أمي، يعني أمريكا مظطرية منفعلة غير مقتنعة بما قال والدي، والدي أبا قاسم ، يسمّي زوجته يعني أمي بأمريكا لا لشيء إلا لأن أمي كثيرًا ما تأمره وكثيرا ما تطالبه بأشياء لا حول و لا قوة له بها. ولكن في آخر الأمر يرضخ لأمي و يقتنع بكلامها و يحدثني قائلا انها على صواب و هكذا لم أستمع إلى اسم أمي على شفاه والدي اكثر من عشرين سنة فبيتنا يعني أمريكا، وهولا يخجل لأبدا حين يناديها بكامل صوته باسم أمريكا. بل مقتنع تمام الأقتناع بأن لا فرق بينها و بين الولايات المتحدة.
و كم حاولت أن أحلّل هذه الظاهرة في بيتنا و لكن لم أجد لها حلاً، فأنا أعرف والدي إنه يحب أمريكا أكثر من كل شيء في حياته و أعرف أمي يعني أمريكا بأنها تموت من أجله. هكذا أعيش التناقض بأم عينه, بل أصبح مني. نحب أمريكا و نكرههالا في نفس الوقت. أستغرب حينما تنفق الولايات المتحدة أموالا طائلة لتحسين صورتها عند العرب.
كيف إذًا تحبون أمريكا و تكرهونها في نفس الوقت، هكذا أنا أحب أمريكا. إستوت أمريكا حول الموقد و قالت، و لماذا أنت تطلب مني أن أضع الورقة البيضاء داخل الصندوق، لماذا لا أضعها خارج الصندوق؟ احمرّ وجه والدي و برزت عيناه و جلس على ركبتيه و أرتبك و قال الأمر يتعلّق بالاستفتاء و التحويرالدستوري.. فهضعي الورقة البيضاء داخل الصندوق.
لأول مرّة استمع والدي يتحدث لغة عربية فصحى، أظن أنه قد حفظ درسه جيّدًا و أن أحدًا قام بالترتيل و التجويد حتى اقتنع تمام الاقتناع. فتحت أمريكا عينيها الكبيرتين و قالت الاستسقاء، لماذا انتم كل أسبوع تذهبون إلى صلاة الاستسقاء، المطر من عند الله و سيرزقنا خيرًا إن شاء الله.
التفت إلى والدي مكفهرّ الوجه، عابسًا،و قال : فسّر لأمريكا ما معنى الاستعمار. كان يجب أن يقول الاستفتاء، قلت: الإستعمار؟ قال ماذا قلت، إني أقول يا قاسم الاستفتاء... و لكنّها زلّة لسان. اسمع يا قاسم...أمريكا لا تفهم شيئًا في هذا الموضوع، فسّر لها المعنى الحرفي للكلمة و لا تدخل في التفاصيل. قلت: حاضر....سيدي.
اسمعي أمي الحبيبة، أمريكا، غدا سيكون موعد الانتخاب. قالت أمريكا: و من ستنتخبون، قلت: ليس انتخابًا يا أمريكا بل هو استفتاء، يعني استجواب، نعم أو لا. لم تفهم شيئا أمريكا ما يجري حولها و لم تستطع أن تنطق كلمة استفتاء. فقالت: يا قاسم و ما هو الاستعمار؟ و هل حرج من عندنا أم مازال؟
إرتبك والدي مرّة ثانية، الحديث عن الاستفتاء، ليس على الاستعمار اسمعي يا أمريكا، لماذا أنت دوما عنيدة و لا تستطيعين فهم هذه الأشياء البسيطة و تستطيعين فهم الأشياء العوصة و المعقدة... لم أطلب منك أن تناقشي الموضوع، غدًا ضعي الورقة داخل الصندوق و أنتهى الحديث، لماذا هذا التعقيد. قالت أمريكا: أريد أن أفهم ما يجري و إلاّ فإنّي لن أذهب غدا. بدأ والدي يتمايل يسرة و يمينا و قال: بدأ الظغط الأمريكي. قلت: يا والدي و الحقيقة بينة و لها الحق من معرفة ماذا يجري فيجب عليك أن تفسر لها بالباء و التاء.
قال والدي: هذا حدّ معرفتي قيل لي كلام و لي مصلحة من ذلك فأود منك و منها و من أختك أن تذهبوا غدا و تضعوا الورقة البيضاء في الصندوق... بسيطة؟
قالت أمريكا أسمع يا رجل أنا لم اقتنع و لم أفهم لماذا هم يريدون أن نضع الورقة البيضاء في الصندوق؟ و لو وضعت مثلا الورقة السوداء فماذا سيحدث؟ قلت... لن يحدث شيئًا، قال والدي: لا أحب اللون الأسود و البياض من لون الرسول صلّى الله عليه و سلّم، قالت أمريكا: صلّى الله عليه و سلّم ألف سلام و لكن يا رجل نحن نستطيع وضع ورقة أخرى بين الأبيض و الأسود، يعني ورقة رمادية و هكذا نصبح بين الجنة و النار، فلماذا هم لم يعطون ورقة رمادية لنا نحن النساء بذلك، نصبح مع الرابحين في كل الحالات. وهكذا كنا قد ضمنا لأنفسنا الخلاص، لماذا أنت يا رجل كنت دومًا غبيًا؟ أنا أريد ورقة رمادية عليها لا ـ نعم في نفس الوقت.
تعجب والدي من ذكاء و فطنة أمريكا، و تربع إليها، حدثيني بالله عليكِ من أين كان لك هذا ومن علمك إيجاد الحل الثالث... و تراجع قليلا، كنت دومًا عنيدة و لكن هذه المرّة الجنة فقط و يعني الورقة البيضاء في الصندوق.
التفتت إليّ أمريكا و قالت، ... أقاسم و ماذا أنت واضعًا في الصندوق؟... قلت حسب أمريكا، أنا أحبك يا أمي و أحبك أمريكا... قال والدي أنا رب هذه العائلة و لا أمريكا تحكم معي ولا أنت.
و أني لن أتوسل إليكم و لكن آمركم بأن تضعوا هذه الورقة البيضاء في الصندوق.
قالت أمي.. أمرك سمعا و طاعة يا رب بيتي أمّا أنا أمريكا... لن أضع شيئًا في الصندوق، لا أبيضًا و لا أسودًا و لا حتى الورقة الرمادية أن وجدت. و لكني أعدك إني سأذهب و لأشاهد بعيني ما يحدث و آخذ قراري في الأوانة الاخيرة.
التفت إلى والدي... و قال و ماذا أنت فاعل يا قاسم؟ قلت الأمر أمرك يا والدي و لن أخذلك فإني أكون قد طردت من علمي بأخذي للورقة السوداء، و ربما أصبحنا من المشارين إليهم بأصابع الخيانة. والدي ثق فإني أعرف جيّدًا ماذا يحدث و ماذا يجري و لكن أعلمك... نحن نحفر قبورنا قبل الأوان و ما إنقاذنا إلا بأمريكا... فدعها و شأنها فل تقل ما تشاء ولتفعل ما تشاء فهي حرّة منذ أن ولدت، أمي أودّ منك أن تأخذي الورقة السوداء أمام الجميع و ضعيها في الصندوق و كذلك أود أن يشاهدك جميع الناس، فأنت الخلاص و بيديك الرحمة...
و تقولون لماذا أحب أمريكا.
kacem kacem
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق