29‏/08‏/2008

أنـــــا لا أنتمي ألي نحن...TUNEZINE


بن عروس تونس23 - 10 - 2004
قدر الإنسان المحتوم أن يكون شاهدا على الردح اليسير من الزمن الذي يحياه، أن يرى ويلاحظ ويسمع ويقرأ... ربما يرسخ نزر قليل في الذاكرة والمخيلة غير أن السواد الأعظم إلى زوال يمضي. بالمقابل تظل الأناسي مخيرة بين أنت تترك أثرا في واقعها أو أن تتهرب منه وتلوذ بالصمت وتنسى. كذلك هي السياسة تحاول تركها في حالها وعدم الخوض فيها ولكنها تضيق عليك الخناق، تحاصرك من كل حدب وصوب لتحولك لكائن سياسي رغما عن أنفك وتدفعك بوعي أو بدونه أن تدلي بدلوك في الشأن العام وأن ترفض قدر المستطاع أن تكون لعبة بيد غيرك.
المؤسف حقا أن تسمع غيرك يتحدث دوما باسمك دون أن يكلف نفسه عناء السؤال عن رأيك ووجهة نظرك. ثلاثة أحرف يمتطيها ليدوسك ويمضي في سبيله، نحن كذا... ونحن كذلك... النحن، هذه الفرس الجامحة تكاد تصبح براقا لتسفر بك نحو عوالم لا تستهويك ولا ترضي أهوائك إن في إسراءها أو في معراجها والقبول بلعب دور المتقبل السلبي يغري الفاعلين بمزيد من التنكيل بالمفعول بهم والإمعان في امتهان ذكائهم بل وغالبا الازدراء منهم والضحك من ذقونهم.
الحديث في المطلق جميل ومغري حقا فهو يعطي المتلقي أو الآخر انطباعا خاطئا بأن السارد متمكن من واقعه وملم بجوانب الموضوع زد على ذلك أنه يجنبه كفاعل تبعات غضب من يرى نفسه مقصودا بكلامه ويفتح المجال لتأويلات عدى إن سلبا أو إيجابا فالمعذرة إذا إن كنت من هنا فصاعدا سأتحدث باسمي فقط وانطلاقا من تجربتي ولو كانت محدودة ومن رام اعتبار ذلك تكبرا من جانبي فليكن له ذلك ومن فهم المقصد فأنا ممنون له مسبقا.

موضوع الساعة الذي لا غنى عنه بالنسبة لي هو المهزلة التي نعيش في تونس المسماة زورا انتخابات والتي ستلفظ أنفاسها الأخيرة بعد سويعات من الآن بعد أن كادت تذهب بأعصابي وهي التي استنزفت كل قواي الذهنية دون الحيلولة من جعلي أقر بأني لم أفهم شيئا تقريبا ولم أتمكن من استيعاب مجريات الأمور بالكامل ولكن ذلك لن يمنعني من أن أقر بامتعاض بأنها الإنتخابات الأولى التي تزوّر في مناخ ظاهرة ديمقراطية وشفافية وباطنه سعي محموم نحو تكريس العبودية والذل.

للتاريخ فقط أذكّر بأن الجنرال زين العابدين بن علي الفائز الأبدي وبلا منازع بكل الاستحقاقات التي أقيمت والتي قد تقام في المستقبل القريب أو البعيد أتى لسدة الحكم منذ سبعة عشرة سنة خلت ببرنامج ملئ بالوعود الفضفاضة وبالعبارات الجوفاء لم يطبق منها شيء، الغريب في الأمر أنه خير الهروب للأمام ككل مرة وأضاف لبرنامجه الانتخابي الخاوي الوفاض واحد وعشرون دليلا إضافيا على قدرته اللامتناهية على النفاق والخديعة وبرهانا لا يقبل الدحض عن استهزائه بكل التونسيين ومراهنته على ذاكرتهم المحدودة جدا.

المعارضة بجميع أطيافها طرق كل شق منها المنحى الذي يلبي تطلعاته ولم يحدث ما كان مستبعدا بالمرة بل قل مستحيلا وهو وقوفها جنبا لجنب في وجه منظم المهزلة وراعيها الأول، وهو على ما أرى دليل على حيوية الشعب التونسي وثرائه وليس دليل إدانة لأحد فجمع الأضداد لا يخلق غير الكوارث والقنابل الموقوتة التي قد تنفجر في وقت غير بعيد في وجه معديها وتحدث ضررا لامتناهيا بالجميع. فالجمع بين السلفيين والعلمانيين مثلا خرافة وأسطورة غير قابلتين للتحقيق بالمرة.

المعارضين في تونس ليسوا بالعدد القليل عكس ما يتصور الجميع فزين العابدين بلسان وزير داخليته كان قد صرح في انتخابات سنة تسعة وتسعين وتسعمائة وألف بأن ثلاثة مائة ألف مواطن على الأقل لم يصوتوا لبن علي وتجمعه المشبوه الغير ديمقراطي والغير دستوري بالمرة وهو أمر على غاية من الأهمية ولو أن الجميع يجهله أو يحاول التغافل عنه ربما لكونه يدرك أن التزوير الرياضة الشعبية الأولى في تونس ولو شهد شاهد زور من أهلها.
للمعارضة التونسية فصائل وأطياف شتى هذه أهمها :

- المعارضة الديكور ومن أبرز تجلياتها الحزب الاجتماعي التحرري وحزب الوحدة الشعبية وينطبق عليها شعار مهرجي السلطان وهي تتمتع بدعم لامتناهي من الإدارة في أنشطتها وحتى في خطاباتها التي أكاد أجزم أنها تكتب وتسير من طرف الحزب الحاكم فمن خلالها تسعى الدكتاتورية لتشويه صورة المعارضة لدى عامة الناس ولإضفاء مسحة ديمقراطية كاريكاتورية على أنشطتها المشبوهة.

- المعارضة المنفعية والمصلحية ومن روادها الحزب الديمقراطي الوحدوي وحركة الديمقراطيين الاشتراكين وما يسمى بالأغلبية الصامتة، شعارها المتاجرة بعذابات الخلق من تونس إلى العراق مرورا بفلسطين لتضفي مشروعية أخلاقية لوجودها، ينطبق على رموزها القول أطعم الفم تستحي العين وهي انتهازية للغاية ولا تخجل من المطالبة بنصيبها من الغنيمة كلما سنحت الفرصة.

- معارضة على قدر كسائي أمد رجلي وهي معارضة مغلوبة على أمرها ولو أنها تحاول إثبات العكس وهي تحاول قدر الإمكان اكتساح الثغرات التي يتركها المشرّع بقانونه المسرف في الإجحاف ومن أقطابها حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ولو أن لاشيء تقريبا يجمعهم.

- معارضة الكاميكاز وتونسيي نكبة سبعة وثمانين وتسعمائة وألف، وأنا على الأرجح منهم، وهي آلة رهيبة لتفريخ ضحايا القمع البوليسي تتميز بعنف شديد في لهجتها وسخط لامحدود على الأوضاع المعاشة وتضم رواد الرأي وصناع القرار في ما يخص فضح الدكتاتورية ونزع أوراق التوت عنها. مساوئ هذا التيار أنه يجمع الأضداد وهو ما يعيق قيامه بتخليص البلاد من هيمنة الحزب الواحد وحتى مقاطعتهم المبدئية والمنتظرة للمهزلة الانتخابية تمت بطريقة متشتتة للغاية.
كان من الممكن أن أصمت كالغالبية الساحقة وأن لا أخط ما رأيت وما سمعت ولكني لم أقدر فالسكوت علامة الرضا أو ربما الخوف من عواقب أجهلها ومن تأجيج عداوات أنا في غنى عنها ولكني أرى لزاما على نفسي أن أبوح بما لا يمكن كتمانه :

- المشاركين في الانتخابات الرئاسوية أضفوا مشروعية كانت غائبة بالكامل علىترشحما يسمى بالرئيس السابق واللاحق والذي سطا على حرمة الدستور وحرفه كما طاب له منذ سنتين ليبقى في سدة الحكم حتى الممات لا ينافسه في ذلك غير أجله. بإمكانهم بعد دراسة عواقب صنيعهم أن يقولوا ما يحلو لهم ولكن التاريخ وحده سيقول إن كان فعلهم خيانة لتونس أم غير ذلك.

- نفر غير هين من الانتهازيين والمتملقين غنموا الشيء الكثير من مساندتهم المشبوهة للدكتاتور أو صمتهم المتواطئ على أفعاله وأتمنى أن يعود صنيعهم عليهم بالوبال في أقرب وقت ممكن ولا فائدة من ذكر الأسماء فالقائمة متنوعة وطويلة جدا ولكل مقام مقال.

- المعارضة السلمية استنفذت كل أسلحتها بعد هذه المهزلة المتكررة والخيبة المتجددة ولا ريب أن ظهور معارضة عنيفة قولا وفعلا لن يطول كثيرا فكل الظروف باتت سانحة لقيام حركات احتجاجية غير معهودة على الساحة ولو أن بوادرها بانت للعيان منذ مدة داخل الوطن وخاصة خارجه وحتى القمع الذي واجه به بن علي منتقديه المسالمين من المستحيل أن يكون أعنف من الآتي وهو الذي بلغ ذروته مناسبات عدة ولم ينجح أبدا في إخماد أصوات المحتجين وثنيهم عن قول الحق.

- القوى التي لا تزال تحرك خيوط الشأن الداخلي من الخارج برهنت أنها لا ترى للإستبداد والتسلط لنا بديلا وأننا لسنا أهلا للديمقراطية وحتما سيكونون كلهم كالعادة من أول المهنئين للدكتاتور على ديمقراطيته ونزاهته المعتادة.
سهل ويسير أيضا التشهير بالمتواطئين ولوم المتذبذبين بل هو في متناول كل من هب ودب ولكن ما العمل لإخراج هذا البلد من عنق الزجاجة، هل على الجميع الكف عن إهدار الطاقات وبذل التضحيات والقبول بصفة نهائية بالأمر الواقع ولو كان مخزيا ؟ هل من المعقول أن يصبح دور المجتمع المدني محصورا في بعض الأنشطة الحقوقية دون غيرها بعد أن غيب كل نشاط سياسي أو نقابي بين ظهرانينا ؟ هل نخدع بالوعود الزائفة ونصمت عشرة سنين أخرى في انتظار أن يرحل الدكتاتور طوعا؟

أنا وإن كان رأيي لا يعبر عن أحد غيري أرى أنه قد حان الأوان لخلق جبهات وليس جبهة واحدة متراصة لا يجمعها شيء فأصحاب النظرات الشمولية المؤسسة لمجتمعات تبنى على مذهب فكري متزمت أو عرق اثني أو لغوي ولا تؤمن بالمساواة في الحقوق بين جميع الأفراد عليهم أن يسلكوا طريقهم لوحدهم بمعزل عن من يسعى لإقامة نظام ديمقراطي حر يسع الجميع، فالأصوات التي تنادي بالفصل بين الفرقاء والأضداد باتت أعلى من أن يسعى البعض لتجاهلها والنضال لاستبدال دكتاتورية بأخرى لا تخجل بأن تصرح في السر والعلن بأن "الغاية تبرر الوسيلة" مضيعة للوقت لا غير.
هذه بعض هوامش جمهورية الغد لمن لم يفهم كنها بعد :

- النسبة المعلن عنها لا تعكس عدد من صوتوا للفائز بل عدد من نجح النظام في تدجينهم وهو ما يفسر السعي الدءوب لتحسينها.
- القمع أصبح تنظيما يقنن بعد أن عهدنا القانون قمعا منظما.
- الإرهاب غدا منهجا فكريا مثله مثل الشيوعية أو الليبرالية ولو أنه يلبس حلة براقة تناسب كل بلد وطباع أهله فأين العجب إذا لو سمي من يروع شعبه بكل ما أوتي من جبروت رئيسا منتخبا وأن يكون شعار عسسه يحمل عبارة "الصدق في القول والإخلاص في العمل" وهم أبعد الناس عنها.
- تزوير الإرادة الشعبية سيتم مستقبلا في كنف الديمقراطية وحياد الإدارة.
- تونس ستصبح ديمقراطية يوم تعد عشرة ملايين حزب ومنظمة معترف بهما.
زهير اليحياوي
23-10-2004

ليست هناك تعليقات: